الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } * { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

[.......] فأورثهم ذلك بمهلك أهلها من العمالقة والفراعنة. { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ } يعني تمت كلمة الله وهي وعده إياهم بالنصر والتمكين في الأرض. وذلك قوله عز وعلىوَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [القصص: 5] إلى قولهمَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } [القصص: 6].

وقيل: معناه [رحبت] نعمة ربّك الحسنى { عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } يعني أنهم مجزون الحسنى يوم القيامة { بِمَا صَبَرُواْ } على دينهم { وَدَمَّرْنَ } أهلكنا [فدمرنا] { مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } في أرض مصر من المغارات { وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }.

قال الحسن: وما كانوا يعرشون من الثمار والأعشاب.

وقال مجاهد: يعني يبنون البيوت، والقصور ومساكن وكان [غنيّهم] غير معروش.

وقرأ ابن عامر وابن عباس: بضم الراء وهما لغتان فصيحتان عرش يعرش.

وقرأ إبراهيم بن أبي علية: يعرشون بالتشديد على الكسرة { وَجَاوَزْنَا } قطعنا { بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ } بعد الآيات التي رأوها والعير التي عاينوها.

قال الكلبي: عبر بهم موسى يوم عاشوا بعد هلاك فرعون وقومه وصام يومئذ شكراً لله عزّ وجلّ { فَأَتَوْاْ } فمرّوا { عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ } يصلّون، قرأ حمزة والكسائي يعكفون بكسر الكاف والباقون بالضم وهما لغتان { عَلَىٰ أَصْنَامٍ } أوثان { لَّهُمْ } أوثان لهم كانوا يعبدونها من دون الله عزّ وجلّ.

قال ابن جريج: كانت تماثيل بقر وذلك أوّل [شأن] العجل.

قال قتادة: كانوا أُولئك القوم من لخم وكانوا هؤلاء بالرمة، وقيل: كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى بقتالهم فقالت بنو إسرائيل له عندما رأوا ذلك { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً } تمثالاً نعبده { كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ } موسى { إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } عظمة الله ونعمته وحرمته.

وروى معمر عن الزهري " عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين فمررنا بشجرة خضراء عظيمة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفّار ذات أنواط. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام) اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة والذي نفسي بيده [لتركبنّ سنن] مَنْ كان قبلكم ".

وروي عنه (عليه السلام) أنه قال: " لا تقوم الساعة حتّى تأخذ أُمّتي أخذ الاُمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع كما قالت فارس والروم ".

{ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ } مهلك ومفسد ومخسر { مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ } مضمحل زائل { مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ } أطلب وأبغي لكم فحذف حرف الصفة لقوله (واختار موسى قومه) { إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } على أهل زمانكم { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ } قرأ أهل المدينة أنجيناكم، وقرأ أهل الشام وإذ أنجاكم وكذلك في مصاحفهم بغير نون.

{ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ }.

قرأ نافع: (يقتلون) خفيفة من القتل على القليل، وقرأ الباقون التشديد على الكثير من القتل { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }.