الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } * { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

{ وَهَـٰذَا كِتَابٌ } يعني القرآن { أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } أي وهذا كتاب مبارك أنزلناه { مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ } تخبر.

وقرأ عاصم: بالياء أي ولينذر الكتاب { أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } يعني مكة سمّاها أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها { وَمَنْ حَوْلَهَا } تحمل الأرض كلها شرقاً وغرباً { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ } بالكتاب { وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ } يعني الصلوات الخمس { يُحَافِظُونَ } يداومون { وَمَنْ أَظْلَمُ } أي أخطأ قولاً وأجهل فعلاً { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ } اختلق { عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فزعم إنه بعثه نبياً { أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي وكان يستمع ويتكهن ويدعي النبوة ويزعم إن اللّه أوحى إليه " وكان قد أرسل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجلين، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم " أتشهدان أنّ مسيلمة نبي؟ فقالا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ".

وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " رأيت فيما يرى النائم كأنّ في يدي سوارين من ذهب فكبرا عليَّ وأهماني فأوحى اللّه إليَّ أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما كذاب اليمامة مسيلمة، وكذاب صنعاء الأسود العبسي ".

{ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } " نزلت في عبد اللّه بن سعيد بن أبي سرح القرشي، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا قال سميعاً عليماً كتب هو عليماً حكيماً، وإذا قال عليماً حكيماً كتب غفوراً رحيماً، وأشباه ذلك فلما نزلت { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } الآية [المؤمنون: 12]. أملاها رسول اللّه عجب عبد اللّه من تفصيل خلق الإنسان فقال تبارك اللّه أحسن الخالقين. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " أكتبها فهكذا نزلت " فشك عبد اللّه وقال: لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً لقد قلت [كما كتب] فارتدّ عن المسلمين ولحق بالمشركين، وقال لهما: عليكم بمحمد لقد كان يملي عليّ فأغيره وأكتب كما أُريد.

ووشى بعمار وجبير عبد لبني الحضرمي يأخذوهما وعذبوهما حتى أعطياهما الكفر وجذع أذن عمار يومئذ فأخبر عمار النبي صلى الله عليه وسلم بما لقي وبما أعطاهم من الكفر فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاّه هؤلاء فأنزل اللّه عز وجل فيه " ، وفي خبر: وابن أبي سرحمَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ } إلى قولهبِالْكُفْرِ } [النحل: 106].

يعني عبد اللّه بن سعيد بن أبي سرح ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلم [بمرط هران] { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ } وهم الذين ذكرهم اللّه ووصفهم قبل { فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } سكراته وهي جمع غمرة وغمرة كل شيء كثرته ومعظمه وأضل الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ومنه غمرة الماء ثم استعملت في معنى الشدائد والمكاره { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } بالعذاب والضرب وجوههم وأدبارهم كما يقال بسط يده بالمكروه { أَخْرِجُوۤاْ } أي يقولون أخرجوا { أَنْفُسَكُمُ } أرواحكم كرهاً لأنّ نفس المؤمن تنشط للخروج للقاء ربه، والجواب محذوف يعني ولو تراهم في هذا الحال لرأيت عجباً.

السابقالتالي
2