الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

{ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } الآية.

قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد إنا قد علمنا أنه ما يحملك على ما تدعونا إليه إلاّ الحاجة، فنحن نجمع ذلك من أموالنا ما نغنيك حتى تكون من أغنانا فأنزل اللّه تعالى قوله { وَلَهُ مَا سَكَنَ } أي استقر { فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } من خلق.

قال أبو روحى: إن من الخلق ما يستقر نهاراً وينتشر ليلاً ومنها ما يستقر ليلاً وينتشر نهاراً. وقال عبد العزيز بن يحيى ومحمد بن جرير: كلّ ما طلعت عليه الشمس وغيبت فهو من ساكن الليل والنهار والمراد جميع ما في الأرض لأنه لا شيء من خلق اللّه عز وجل إلاّ هو ساكن في الليل والنهار، وقيل: معناه وله ما يمر عليه الليل والنهار.

وقال أهل المعاني: في الآية لغتان واختصار مجازها: وله ما سكن وشرك في الليل والنهار كقولهسَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81] والبرد وأراد في كل شيء { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لأصواتهم { ٱلْعَلِيمُ } بأسرارهم.

وقال الكلبي: يعني هو السميع لمقالة قريش العليم بمن يكسب رزقهم { قُلْ } يا محمد { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } رباً معبوداً وناصراً ومعيناً { فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي خالقها ومبدعها ومبدئها وأصل الفطر الشق ومنه فطر ناب الجمل إذا شقق وابتدأ بالخروج.

قال مجاهد: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني اعرابيان يختصمان في بعير. فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، أنا أحدثتها { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } أي وهو يرزق ولا يرزق وإليه قوله عز وجلمَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [الذاريات: 57].

وقرأ عكرمة والأعمش: ولا يَطعم بفتح الياء أي وهو يرزق ولا يأكل.

وقرأ أشهب العقيلي: وهو يُطعِم ولا يُطعَم كلاهما بضم الياء، وكسر العين.

قال الحسن بن الفضل: معناه هو القادر على الإطعام وترك الإطعام كقولهيَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } [الرعد: 26].

وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا منصور الأزهري بهراة يقول: معناه وهو يطعم ولا يستطعم، يقول العرب: أطعمت غيري بمعنى استطعمت.

وأنشد:
إنّا لنطعم من في الصيف مطعماً   وفي الشتاء إذا لم يؤنس القرع
أي استطعمنا وقيل: معناه وهو يطعم يعني اللّه ولا يطعم يعني الولي { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } أخلص { وَلاَ تَكُونَنَّ } يعني وقيل لي: ولا تكونن { مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي } تعبدت غيره { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وهو يوم القيامة.

{ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ } يعني من يُصَرف الغضبُ عنه.

وقرأ أهل الكوفة: يصرف بفتح الياء وكسر الراء على معنى من صرف اللّه عنه العذاب، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم لقوله { من الله } بأن قبل فيما قبله: { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ } [الأنعام: 12]، ولقوله فيما بعده { رَحِمَهُ } ولم يقل: فقد رحم، على الفعل المجهول.

السابقالتالي
2