{ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ } يعني الجنة في الآخرة. قال أكثر المفسرين: السلام هو اللّه عز وجل وداره الجنة. وقيل: سميت الجنة دار السلام لسلامتها من الآفات والعاهات. وقيل: لأن من دخلها سلم من البلايا والرزايا أجمع. وقيل: لأنها سلمت من دخول أعداء اللّه كيلا ينتغص أولياء الله فيها كما يُنغّص مجاورتهم في الدنيا. وقيل: سميت بذلك لأن كل حالة من حالات أهلها مقرونة بالسلام فاما إبتداء دخولها فقوله { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ } وبعد ذلك قوله{ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } الآية [الرعد: 23]. وبعده قوله{ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [يونس: 10] وبعده قوله{ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } [مريم: 62] وقوله{ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [الواقعة: 25-26] وبعده قوله{ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } [الأحزاب: 44] وبعد ذلك{ سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس: 58]. فلما كان حالات أهل الجنة مقرونة بالسلام إما من الخلق وإما من الحق سمّاها اللّه دار السلام { وَهُوَ وَلِيُّهُمْ } ناصرهم ومعينهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. قال الحسن بن الفضل: يعني يتولاهم في الدنيا بالتوفيق وفي الآخرة بالجزاء. { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } الجن والإنس يجمعهم في يوم القيامة فيقول: { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } أي من إضلال الناس وإغوائهم { وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } الذين أطاعوهم { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }. قال الكلبي: إستمتاع الإنس بالجن. هو أن الرجل إذا سافر أو خرج فمشى بأرض قفر أو أصاب صيداً من صيدهم فخاف على نفسه منهم. فقال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فيثبت جواز منهم، واستمتاع الجن بالإنس هو أن قالوا: قد سدنا الإنس مع الجن حتى عاذوا بنا فيزدادون شرفاً في قومهم وعظماً في قومهم وهذا معنى قوله تعالى{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ } الآية [الجن: 6]. وقال محمد بن كعب وعبد العزيز بن يحيى: هو طاعة بعضهم بعضاً وموافقة بعضهم بعضاً وقيل: إستمتاع الإنس بالجن بما كانوا يأتون إليهم. من الأراجيف والسحر والكهانة، فاستمتاع الجن بالإنس إغراء الجن الإنس واتباع الإنس إياهم { وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا } يعني الموت والبعث. قال اللّه تعالى { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } يعني قدّر مدة ما بين بعثهم إلى دخولهم جهنم. قال ابن عباس: هذا الإستثناء هو أنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على اللّه في خلقه لا يولهم جنة ولا ناراً. وقال الكلبي: إلا ما شاء اللّه وكان ما شاء اللّه أبداً. وقيل: معناه النار مثواكم خالدين فيها سوى ما شاء الله من أنواع العذاب وقيل: إلا ما شاء اللّه من إخراج أهل التوحيد من النار. وقيل: إلا ما شاء اللّه أن يزيدهم من العذاب فيها.