الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } * { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } * { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }

{ وَجَعَلُواْ } يعني الكافرين { للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ } يعني وجعلوا للّه الجن شركاء، وإن شئت نصبته على التفسير { وَخَلَقَهُمْ } يعني وهو خلقهم وخلق الجن.

وقرأ يحيى بن معمر: وخلقهم بسكون اللام وفتح القاف أراد إفكهم وادّعاءهم ما يعبدون من الأصنام حيث جعلوها شركاء للّه عز وجل يعني وجعلوا له خلقهم.

وقرأيحيى بن وثاب: وخلقهم بسكون اللام وكسر القاف، يعني جعلوا للّه شركاء ولخلقهم أشركوهم مع اللّه في خلقه إياهم.

وقال الكلبي: نزلت في الزنادقة قالوا: إن اللّه وإبليس شريكان، واللّه خالق النور والناس والدواب والأنعام. وإبليس خالق الظلمة والسباع والعقارب والحيّات، وهذا كقولهوَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [الصافات: 158] يعني في الجنة، وهم صنف من الملائكة خزان الجنان أشق لهم منهم صنف من الجن { وَخَرَقُواْ } أي اختلفوا وخرصوا.

وقرأ أهل المدينة: بكثرته وخرّقوا على التكثير { لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } وهم كفار مكة، قالوا: الملائكة والأصنام بنات اللّه. واليهود قالوا: عزير ابن اللّه. والنصارى قالوا: المسيح ابن اللّه ثم نزّه نفسه. وقال تعالى { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ } زوجة { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } إلى قوله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } أجراه بعضهم على العموم فقال: معناه لا تحيط به الأبصار بل تراه وهو يحيط بها.

قال اللّه عز وجلوَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه: 110] فكما تعرفه في الدنيا لا كالمعروفين فكذلك تراه في العقبى لا كالمرئيين.

قالوا: وقد ترى الشيء ولا تدركه كما أخبر اللّه تعالى عن قول أصحاب موسى (عليه السلام) حين قرب منهم فرعونإِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61] وكان قوم فرعون قد رأوا قوم موسى ولم يدركوهم لأن اللّه تعالى قد وعد نبيه موسى (عليه السلام) إنهم لا يدركون بقولهلاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [طه: 77].

وكذلك قال سعيد بن المسيب: لا تحيط به الأبصار. وقال عطاء: كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به.

وقال الحسن: لا تقع عليه الأبصار ولا تدلّ عليه العقول ولا يدركه الإذعان.

يدلّ عليه ما روى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ }. قال: " لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفاً واحداً ما أحاطوا باللّه أبداً ".

وأجراه بعضهم على النصوص. قال ابن عباس ومقاتل: معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } لا يخفى عليه شيء ولا يفوته.

وقيل: معناه لا تدركه أبصار الكافرين، فأما المؤمنون فيرونه، واللّه أعلم { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ }.

قال أبو العالية: لطيف باستخراج الأشياء خبير بها.

السابقالتالي
2