الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } * { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ } ، أي أظهروا خلاف ما أضمروا، وهو مأخوذ من (نافقاء اليربوع) وهي أخذ جحرته، إذا أُخذ عليه جحر أخذ من جحر آخر، فيقال عند ذلك: نفق ونافق، فشبه فعل المنافق بفعل اليربوع؛ لأنه يدخل من باب ويخرج من باب، فكذلك المنافق يدخل في الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد. والنفاق لفظ إسلامي لم يكن يعرفه العرب قبل الإسلام.

{ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } وهم بنو قريظة والنضير { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ } من دياركم { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً } سألنا خذلانكم وخلافكم { أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ * لأَنتُمْ } يا معشر المؤمنين { أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ } يقول: يرهبونكم أشدّ من رهبتهم من الله { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ } يعني اليهود { جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ } ، ولا يبرزون لكم بالقتال { أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ }.

قرأ ابن عباس ومجاهد وابن كثير وابو عمرو: (جدار) بالألف على الواحد.

وروي عن بعض أهل مكّة: (جَدْر) بفتح الجيم وجزم الدال وهي لغة في الجدار.

وقرأ يحيى بن وثاب (جُدْر)، بضم الجيم وسكون الدال.

وقرأ الباقون بضمّهما.

{ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } يعني: بعضهم فظّ على بعض وبعضهم عدوّ لبعض، وعداوتهم بعضهم بعضاً شديدة.

وقيل: بأسهم فيما بينهم من وراء الحيطان والحصون شديدة، فإذا خرجوا لكم فهم أجبن خلق الله سبحانه.

{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } متفرقة مختلفة. قال قتادة: أهل الباطل مختلفة أهواؤهم، مختلفة شهاداتهم مختلفة أعمالهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق، وقال مجاهد: أراد أن دين المنافقين يخالف دين اليهود { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني مثل هؤلاء كمثل الذين من قبلهم وهم مشركو مكة. { قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } يوم بدر قاله مجاهد، وقال ابن عباس: كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع. وقيل: مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سَنتان، فربما ذاقوا وبال أمرهم الجلاء والنفي. { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

ثم ضرب مثلا للمنافقين واليهود في تخاذلهم فقال عزّ من قائل: { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ } الآية.

أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا الباقرحي قال: حدّثنا الحسن بن علوُية قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا إسحاق بن بشر قال: حدّثنا مقاتل عن عطاء عن ابن عباس وعبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن عباس في قوله سبحانه: { فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ } الآية قال: كان راهب في الفترة يُقال له بَرصيصَا وكان قد تعبّد في صومعة لهُ سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين وأن إبليس أعياه في أمره الحيل، فلم يستطيع له شيء فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال: ألا أحدٌ منكم يكفيني أمر بَرصيصا، فقال الأبيض، وهو صاحب الأنبياء وهو الذي يتصدى للنبي صلى الله عليه وسلم وجاءه في صورة جبرائيل ليوسوسُ إليه على وجهِ الوحي فجاءه جبرائيل حتى دخل بينهما فدفعه بيده دفعة هينةً فوقع من دفعة جبرائيل إلى أقصى أرض الهند، فذلك قوله سبحانه:

السابقالتالي
2 3 4 5 6