{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } أي قبل أهل مكة { قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } نوحاً { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } أي هو مجنون { وَٱزْدُجِرَ } أي زجروه عن دعوته ومقالته، وقال مجاهد: استطر جنوناً، وقال ابن زيد: اتهموه وزجروه وواعدوه " لئنْ لم تنتهِ لتكوننّ من المرجومين ". { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ } مقهور { فَٱنتَصِرْ } فانتقم لي منهم. أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن يوسف، قال: حدّثنا الوفراوندي، قال: حدّثنا يوسف ابن موسى، قال: حدّثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد عن عبد بن عمير، قال: إن الرجل من قوم نوح ليلقاه فيخنقه حتى يخر مغشياً، فيفيق حين يفيق وهو يقول: رب اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون. { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } منصبّ مندفق ولم يقلع ولم ينقطع أربعين يوماً. قال ابن عباس والقرظي: منفجر من الأرض. يمان: طبق ما بين السماء والأرض. أبو عبيدة: هايل. الكسائي: سايل. قال امرؤ القيس يصف غيثاً:
راح تمريه الصبا ثم انتحى
فيه شؤبوب جنوب منهمر
وقال سلامة بن جندل يصف فرساً:
والماء منهمر والشدّ منحدر
والقصب مضطمر واللون غربيب
{ وَفَجَّرْنَا } شققنا { ٱلأَرْضَ } بالماء { عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ } يعني ماء السماء وماء الأرض، وانما قال: التقى الماء، والالتقاء لا يكون من واحد وانما يكون من اثنين فصاعداً، لأن الماء جمعاً وواحداً. وقرأ عاصم الجحدري (فالتقى الماءان)، وقرأ الحسن (فالتقى الماوان) بجعل إحدى الألفين واواً. { عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } قُضي عليهم في أُم الكتاب. قال محمد بن كعب القرظي: كانت الأقوات قبل الاجساد، وكان القدر قبل البلاء، وتلا هذه الآية. { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ } ذكر النعت وترك الاسم، مجازه: على سفينة ذات ألواح من الخشب { وَدُسُرٍ } مسامير، واحدها دسار، يقال منه: دسرت السفينة إذا شددتها بالمسامير، وهذا قول القرظي وقتادة، وابن زيد ورواية الوالبي عن ابن عباس وشهر بن حوشب: هي صدر السفينة سمّيت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجئها، اي تدفع، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، قال: الدسر: كلكل السفينة، وأصل الدسر الجر والدفع، ومنه الحديث في العنبر " إنما هو شيء دسّره البحر " ، أي دفعه ورمى به، وقال مجاهد: هي عوارض السفينة. الضحّاك: ألواح جانبها، والدسر أصلها وطرفها. ليث بن أبي نجيح عن مجاهد: أضلاعها. { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } أي بمرأى منّا. مقاتل بن حيان: بحفظنا، ومنه قول الناس للدموع: عين الله عليك. مقاتل بن سليمان: بوحينا. سفيان: بأمرنا. { جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } يعني فعلنا ذلك ثواباً لنوح، ومجاز الآية: لمن جحد وأنكر وكفر بالله فيه، وجعل بعضهم { مَن } هاهنا بمعنى (ما)، وقال معناه: جزاء لمن كان كفر من أيادي الله ونعمائه عند الذين غرقهم، وإليه ذهب ابن زيد، وقيل: معناه عاقبناهم لله ولأجل كفرهم به.