الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } * { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } * { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } * { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } * { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } * { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } * { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } * { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } * { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } * { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا }

{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ }... الآيات، قال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك: نزلت في عثمان بن عفان رضوان الله عليه كان يتصدق وينفق في الخير، فقال له أخوه من الرضاعة عبدالله بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أن لا يبقى لك شيء. فقال عثمان: إن لي ذنوباً وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله وأرجو عفوه. فقال له عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة والنفقة فأنزل الله سبحانه { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } يعني يوم أُحد حين نزل ترك المركز.

{ وَأَعْطَىٰ } يعني صاحبه { قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } ثم قطع نفقته فعاد عثمان رضي الله عنه إلى أحسن ذلك وأجمله.

وقال مجاهد وابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيّره بعض المشركين وقال له: أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار، كان ينبغي لك ان تنصرهم. قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن له الذي عاتبه ان هو اعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله، ففعل وأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له، ثم بخل ومنحه تمام ما ضمن له فأنزل الله سبحانه { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } أدبر عن الإيمان { وَأَعْطَىٰ } يعني صاحبه الضامن قليلا { وَأَكْدَىٰ } بخل بالباقي، وقال مقاتل: يعني أعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم اي قطعه ولم يقم عليه.

وروى موسى بن عبيدة الزبيدي عن عطاء بن يسار قال: نزلت في رجل قال لأهله: جهّزوني انطلق إلى هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم فتجهّز وخرج، فلقيه رجل من الكفار فقال له: أين تريد؟ قال: محمداً، لعلّي أُصيب من خيره، فقال له الرجل: أعطني جهازك وأحمل عنك إثمك، فنزلت فيه هذه الآية.

وروي عن السدّي أيضاً قال: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وذلك أنّه كان ربما يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأُمور، وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في أبي جهل، وذلك أنه قال: والله ما يأمرنا محمد إلاّ بمكارم الاخلاق فذلك قوله: { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } أي لم يؤمن.

قال المفسّرون: أكدى أي قطعه ولم يقم عليه، وأصله من الكدية وهي حجر يظهر في البئر ويمنع من الحفر ويؤيس من الماء.

قال الكسائي: تقول العرب: أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل، وقال: كديتْ أصابعه إذا محلتْ، وكديتْ يده إذا كلّت فلم يعمل شيئاً، وكدى النبت إذا قلّ ريعه، وقال المؤرخ: أكدى أي منع الخير، قال الحطيئة:

السابقالتالي
2 3 4 5 6