الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } * { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } * { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } * { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } * { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } * { ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } * { فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } * { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ }

{ يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } أي تدور كدوران الرحى، وتتكفّأ بأهلها تكفّأ السفينة، ويموج بعضها في بعض.

واختلفت عبارات المفسرين فيها: قال ابن عباس: تدور دوراناً. قتادة: تتحرك. الضحاك: تحرك. عطاء الخراساني: تختلف إحداها بعضها في بعض. قطرب: تضطرب. عطية: تختلف. المؤرخ: يتحول بعضهم تحولا. الأخفش: تتكفّأ، وكلّها متقاربة.

وأصل المَوْر الاختلاف والاضطراب، قال رؤبة:
مسودّة الأعضاد من وشم العرق   مائرة الضبعين مصلات العنق
أي مضطربة العضدين.

{ وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } فتزول عن أماكنها وتصير هباءً منبثّاً.

{ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } وإنّما أدخل الفاء في قوله { فَوَيْلٌ }؛ لأن في الكلام معنى المجاراة مجازه: إذا كان هذا فويل يومئذ للمكذبين.

{ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ } باطل { يَلْعَبُونَ } غافلين جاهلين ساهين لاهين.

{ يَوْمَ يُدَعُّونَ } يُدفعون { إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } دفعاً ويُزعجون إليها إزعاجاً، وذلك أنّ خزنة النار يغلّون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم، وتجافى أقفيتهم حتى يردوا النار.

وقرأ أبو رجاء العطاردي { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } بالتخفيف من الدعاء. قالوا: فاذا دَنَوْا من النار قالت لهم الخزنة: { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ }.

{ ٱصْلَوْهَا } ادخلوها { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ } ذوي فاكهة كثيرة، وفكهين: معجبين ناعمين.

{ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } ثم يقال لهم: { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } قد صفّ بعضها إلى بعض، وقوبل بعضها ببعض { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ } قرأ أبو عمرو «وأتبعناهم» بالنون والألف «ذرياتهم» بالألف فيهما، وكسر التائين لقوله: { أَلْحَقْنَا } { وَمَآ أَلَتْنَاهُم } ليكون الكلام على نسق واحد، وقرأ الآخرون { وَٱتَّبَعَتْهُمْ } بالتاء من غير ألف ثم اختلفوا في قوله: { ذُرِّيَّتُهُم } ، وقرأ أهل المدينة الأُولى بغير ألف وضم التاء، والثانية بالألف وكسر التاء، وقرأ أهل الشام بالألف فيهما وكسر تاء الثانية، وهو اختيار يعقوب وأبي حاتم، وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما وفتح تاء الثانية، وهو اختيار أبي عبيد.

واختلف المفسّرون في معنى الآية، فقال قوم: معناها والذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم التي بلغت الإيمان { بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان، وهو قول الضحّاك ورواية العوفي عن ابن عباس. فأخبر الله سبحانه وتعالى أنّه يجمع لعبده المؤمن ذرّيته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا له، ويدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته، بعمل الأب من غير أن ينقص الآباء من أجور أعمالهم شيئاً فذلك قوله سبحانه: { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } يعني الآباء، والهاء والميم راجعان إلى قوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، والألت: النقص والبخس.

السابقالتالي
2 3