الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } * { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } * { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } * { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } * { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } * { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

{ وَقَوْمَ نُوحٍ } قرأ أبو عمرو والاعمش وحمزة والكسائي وخلف (وقوم) بجرّ الميم في { وَقَوْمَ نُوحٍ } ، وقرأ الباقون بالنصب، وله وجوه: أحدهما: أن يكون مردوداً على الهاء والميم في قوله { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } أي وأخذت قوم نوح، والثاني: وأهلكنا قوم نوح، والثالث: واذكر قوم نوح { مِّن قَبْلُ } أي من قبل عاد وثمود وقوم فرعون { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }.

{ وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ } بقوة { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } قال ابن عباس قادرون، وعنه أيضاً: لموسعون الرزق على خلقنا. الضحاك: أغنياء، دليله قوله سبحانهعَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ } [البقرة: 236] القتيبي: ذوو سعة على خلقنا. الحسين بن الفضل: أحاط علمنا بكل شيء. الحسن: مطبقون.

{ وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } بسطنا ومهدّنا لكم { فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } الباسطون، والمعنى في الجمع التعظيم.

{ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والبر والبحر، والسهل والجبل، والشتاء والصيف، والجن والانس، والكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والحق والباطل، والذكر والانثى، والجنة والنار. { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فتعلمون أنّ خالق الأزواج فرد.

{ فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أي: فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان ومجانبة العصيان.

قال ابن عباس: فرّوا منه إليه، واعملوا بطاعته، وقال أبو بكر الورّاق: فرّوا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرَّحْمن، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن يوسف قال: حدّثنا محمد بن حمدان بن سفيان، قال: حدّثنا محمد بن زياد قال: حدّثنا يعقوب بن القاسم، قال: حدّثنا محمد بن معز عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان في قوله سبحانه { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } قال: اخرجوا إلى مكة. الحسين بن الفضل: احترزوا من كل شيء دونه، فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه.

قال الجنيد: الشيطان داع إلى الباطل، ففرّوا إلى الله يمنعكم منه. ذو النون: ففرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر. عمرو بن عثمان: فرّوا من أنفسكم إلى ربّكم. الواسطي: فرّوا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم. سهل بن عبد الله: فرّوا مما سوى الله إلى الله. { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِين }.

{ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }.

{ كَذَلِكَ } أي: كما كفر بك قومك، وقالوا ساحر ومجنون كذلك { مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }.

{ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } أوصى بعضهم بعضاً بالتكذيب وتواطؤوا عليه، والألف فيه ألف التوبيخ. { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } عاصون.

{ فَتَوَلَّ } فأعرض { عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } فقد بلّغتَ ما أُرسلتَ به وما قصّرتَ فيما أُمرتَ.

قال المفسرون: فلمّا نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ ذلك على أصحابه، ورأوا أن الوحي قد انقطع وأنّ العذاب قد حضر، فأنزل الله سبحانه { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } قال علي بن أبي طالب: معناه إلاّ لآمرهم أن يعبدوني، وأدعوهم إلى عبادتي، واعتمد الزجاج هذا القول، ويؤيده قوله

السابقالتالي
2 3