الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } * { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } * { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } * { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } * { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } * { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }

{ وَقَالَ قَرِينُهُ } يعني الشيطان الذي قُيّض لهذا الكافر العنيد { رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ } ما أضللتُه، وما أغويته.

وقال القرظي: ما أكرهته على الطغيان. { وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } عن الحقّ فتبرأ شيطانه عنه، وقال ابن عبّاس، ومقاتل: قال قرينه يعني الملك، وذلك أنّ الوليد بن المغيرة يقول للملك الذي كان يكتب السيئات: ربّ إنّه أعجلني، فيقول الملك ربّنا ما أطغيته، ما أعجلته، وقال سعيد بن جبير: يقول الكافر: ربِّ إنّ الملك زاد عليَّ في الكتابة، فيقول الملك: ربّنا ما أطغيته، يعني ما زدت عليه، وما كتبت إلاَّ ما قال وعمل، فحينئذ يقول الله سبحانه: { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ } فقد قضيت ما أنا قاض. { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } في القرآن حذّرتكم، وأنذرتكم، فلا تبديل لقولي ولوعيدي. قال ابن عبّاس: إنّهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجّتهم، ورد عليهم قولهم { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } وهو قوله:لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود: 119]، وقال الفرّاء: معناه ما يكذب عندي لعلمي بالغيب { وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } فأعاقبهم بغير جرم أو أجزي بالحسن سيّئاً. { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ } قرأ قتادة، والأعرج، وشيبة، ونافع (نقول) (بالتاء)، ومثله روى أبو بكر عن عاصم، اعتباراً بقوله، قال: لا تختصموا لديّ، وقرأ الحسن يوم (يقال) وقرأ الباقون يوم (نقول) (بالنون) (لجهنّم) { هَلِ ٱمْتَلأَتِ } لما سبق من وعده إيّاها أنّه يملأهامِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود: 119] وهذا السؤال منه على طريق التصديق بخبره، والتحقيق لوعده والتقريع لأهل عذابه، والتنبيه لجميع عباده.

{ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } يحتمل أن يكون جحداً مجازه ما من مزيد، ويحتمل أن يكون استفهاماً، بمعنى هل من مزيد، فأزاده وإنّما صلح { هَلْ } للوجهين جميعاً، لأنّ في الاستفهام ضرباً من الجحد، وطرفاً من النفي، قال ابن عبّاس: إنّ الله سبحانه وتعالى، قد سبقت كلمتهلأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود: 119، السجدة: 13] فلمّا بعث للنّاس، وسبق أعداء الله إلى النار زمراً، جعلوا يقحمون في جهنّم فوجاً فوجاً، لا يلقى في جهنّم شيء إلاّ ذهب فيها، ولا يملأها شيء.

فقالت: ألست قد أقمت لتملأني؟ فوضع قدمه عليها، ثمّ يقول لها: هل امتلأت؟ فتقول: قط قط، قد امتلأت، فليس من مزيد. قال ابن عبّاس: ولم يكن يملأها شيء حتّى مس قدم الله فتضايقت فما فيها موضع إبرة، ودليل هذا التأويل ما أنبأني عقيل، قال: أخبرنا المعافى، قال: أخبرنا ابن جرير، قال: حدّثنا بشر، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال جهنّم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ حتّى يضع ربّ العالمين فيها قدمه، فتتزاوي بعضها إلى بعض، وتقول: قد قد بعزّتك، وكرمك، ولا يزال في الجنّة فضل، حتّى ينشئ الله سبحانه لها خلقاً، فيسكنهم فضل الجنّة ".


السابقالتالي
2 3