الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } * { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ }.الآية.

قال ابن عباس: كانوا يتغادرون ويتقاتلون فأنزل اللّه { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ }.

قال مجاهد: سميت كعبة مربع والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة.

وقال مقاتل: سميت كعبة لانفرادها من البنيان.

قال أهل اللغة: أصلها من الخروج والإرتفاع وسمّي الكعب كعباً لخروجه من جانبي القدم، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرجت ثدياها: قد تكعبت، فسميت الكعبة كعبة لارتفاعها من الأرض، وثباتها على الموضع الرفيع، وسميت البيت الحرام لأن اللّه حرّمه وعظم حرمته.

وفي الحديث: " مكتوب في أسفل المقام: إني أنا اللّه ذو بكة حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض. ويوم وضعت هذين الجبلين وحففتهما بسبعة أملاك حفاً من جاءني زائراً لهذا البيت عارفاً بحقه مذعناً لي بالربوبية حرّمت جسده على النار ".

{ قِيَاماً لِّلنَّاسِ } أي قواماً لهم في أمر دينهم ودنياهم وصلاحاً لمعاشهم ومعادهم لما يحصل لهم من الحج والعمرة والزيارة والتجارة وما يجبى إليه من الثمرات ويظهر فيه من أنواع البركات.

فقال إبن جبير: من أتى هذا البيت يريد شيئاً للدنيا والآخرة أصابه { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } أراد به الأشهر الحرم يأمن فيها الناس { وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ } الآية.

إعتُرض على هذه الآية وقيل: كيف يليق أول الآية بآخرها؟ فالجواب أن مجاز الآية إن اللّه يعلم صلاح الناس كما يعلم { مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } الآية { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } الآيتين { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } يعني الحلال والحرام.

{ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ } نزلت في شرح بن صبيعة وحجاج بكر بن وائل { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تتعرضوا للحجاج وإن كانوا مشركين.

وقد مضت القصة في أول السورة { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } الآية، إختلفوا في نزولها، فروى الزهري وقتادة عن أنس وأبو صالح عن أبي هريرة قالا: " سأل الناس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى ألحّوا بالمسألة فقام مغضباً خطيباً وقال: سلوني فواللّه لا تسألوني عن شيء في مقامي هذا لآتيته لكم، فأشفق أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد مضى، قال أنس: فجعلت لا ألتفت يميناً ولا شمالاً إلاّ وجدت رجلاً لافاً رأسه في ثوبه يبكي، فقام إليه رجل من قريش من بني تميم يقال له عبد اللّه بن حذافة: وكان يطعن في نسبه وكان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي اللّه من أبي؟ قال: أبو حذافة بن قيس ". قال الزهري: فقالت أم عبد اللّه بن حذافة: ما رأيت ولداً بأعق منك قط أكنت تأمن أن تكون أمك قد فارقت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رؤس الناس.

فقال: واللّه لو ألحقني بعبد أسود للحقته، فقام إليه رجل آخر فقال: يا رسول اللّه أين أنا؟ قال: في النار.

فقام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقبل رجل رسول اللّه وقال: رضينا باللّه ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً، إنا يا رسول اللّه حديثو عهد بالجاهلية والشرك فاعف عنا عفى اللّه عنك فسكن غضبه وقال: " أما والذي نفسي بيده لقد صورت لي الجنة والنار أنفاً في عرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر ".


السابقالتالي
2 3