الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ }.

قال ابن عباس وعكرمة والضحّاك وقتادة: إن اللّه كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالاً وأخصبهم ناحية فلما عصوا اللّه في محمد (عليه السلام) وكذبوا به كفى اللّه عنهم ما بسط عليهم من السعة فعند ذلك قال فنحاص بن عازورا: يد اللّه مغلولة لم يريدوا إلى عنقه ولكنهم أرادوا إنها مقبوضة بمعنى منه ممسكة عن الرزق فنسبوه إلى البخل.

وقال أهل المعاني: إنما قال هذه المقالة فنحاص فلم ينهوا الآخرون ورضوا بقوله فأشركهم اللّه فيها وأرادوا باليد العطاء لأن عطاء الناس بذل معروفهم في الغالب بأيديهم واستعمل الناس اليد في وصف الإنسان بالرد والبخل.

قال الشاعر:
يداك يدا مجد فكف مفيد   وكف إذا ما ضن بالمال ينفق
ويقال للبخيل: جعد الأنامل، مقبوض الكف، كز الأصابع، مغلول اليدين، قال اللّهوَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } الآية [الإسراء: 29].

قال الشاعر:
كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها   وكل باب من الخيرات مفتوح
فاستبدلت بعده جعداً أنامله   كأنما وجهه يأكل منضوج
وقال الحسن: معناه يد اللّه مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلاّ بما [يقرّبه] قيمة قدر ما عبد آباؤنا العجل. وهو سبعة أيّام.

وقال مجاهد والسدّي: هو أن اليهود قالوا إن اللّه لما نزع ملكنا منا وضع يده على صدره يحمد إلينا ويقول: يا بني إسرائيل، يا بني أحباري لا أبسطها حتى أرد عليكم الملك. والقول الأول أولى بالصواب لقوله { يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } وقيل: هو استفهام تقديره: أيد اللّه مغلولة عنا؟ حيث قتّر المعيشة علينا قال اللّه { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } أي مسكت أيديهم عن الخيرات وقبضت عن الانبساط بالعطيات.

وقال يمان بن رئاب: شدد وثقل عليهم الشرائع، بيانه قولهوَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [الأعراف: 157] وقيل: هو من الغل في النار يوم القيامة كقولهإِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } [غافر: 71] { وَلُعِنُواْ } عذبوا { بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } إختلفوا في معنى يد اللّه سبحانه، فقال قوم: إن له يداً لا كالأيدي وأشاروا باليد إلى الجارحة ثم قصدوا نفي التشبيه بقوله لا كالأيدي وهذا غير مرضي من القول وفساده لا يخفى.

وقال الآخرون: يده قدرته لقولهأُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } [ص 45].

وقيل: هو ملكه كما يقال لمملوك الرجل، هو ملك يمينه. قال اللّه تعالىأَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ } [البقرة: 237] أي إنه يملك ذلك، وعلى هذين القولين يكون لفظه مشبه ومعناه واحد لقولهوَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46] أراد به جنة واحدة. قاله الفرّاء: وأنشدني في بعضهم:
ومنهم يدين قدمين مرتين   قطعة بالألم لا بالسمينين
أراد منهما واحداً وسمنة واحدة.

قال وأنشد في آخر:
يمشي مكبداً ولهزمين   قد جعل الأرطا جنتين
أراد لهزماً وجنة.

وقيل: أراد بذلك نعمتاه.

السابقالتالي
2