الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } الآية، اختلف العلماء في تأويل هذه الآية فأجراها بعضهم على الظاهر.

وقال ضمرة بن ربيعة: تلا الحسن هذه الآية، وقال: الحمد للّه لها والحمد للّه عليها ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلاّ وإلى جانبه منافق يكره عمله.

وقال بعضهم: معناها عليكم أنفسكم فاعملوا بطاعة اللّه { لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر.

أبو البحتري عن حذيفة في هذه الآية: إذا أمرتم ونهيتم.

وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي ظبيان عن قيس بن أبي حازم قال: قال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) على المنبر: إنكم تقرؤن هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } الآية وتضعونها غير موضعها ولا تدرون ماهي وإني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه عمّهم اللّه بعقاب، فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ولا تغتروا بقول اللّه { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } فيقول أحدكم: عليّ نفسي، واللّه لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو [ليستعملن] عليكم شراركم فليس منكم هو في العذاب، ثم ليدعنّ اللّه خياركم فلا يستجيب لهم " يدل عليه حديث أبي هريرة قال: " قلنا: يا رسول اللّه إن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر حتى لا يبقى من المعروف شيء إلاّ عملنا به ولا من المنكر شيء إلاّ إنتهينا عنه ولا نأمره ولا ننهي أبداً.

فقال (عليه السلام): " فمروا بالمعروف فإن لم [يقبلوا به] كله ما نهوا عن المنكر وإن لم ينتهوا عنه كله " وقيل: معنى الآية: عليكم أنفسكم إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم.

قال شقيق بن عقد: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيّام فلم تأمر ولم تنه فإن اللّه قال { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ }.

فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي، لأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " ألا فليبلغ الشاهد الغائب " فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم تقبل منهم.

وروى سهل بن الأشهب عن الحسين والربيع عن أبي العالية إن هذه الآية قرأت على ابن مسعود { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } ، فقال ابن مسعود: ليس هذا بزمانها قولوها ما قبلت منكم فإذا رُدت عليكم فعليكم أنفسكم، ثم قال: إن القرآن نزل حين نزل فمنه آي قد مضى تأويلهن ومنه آي وقع تأويلهن على عهد رسول اللّه ومنه آي يقع تأويلهن بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم يسير ومنه من يقع آي لا ينهض بعد اليوم ومنه آي يقع في آخر الزمن ومنه آي يقع تأويلهن يوم القيامة ما ذكر من الحساب والجنة والنار فما دامت قلوبكم وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً ولم يذق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء وأُلبستم شيعاً وذاق بعضكم بأس بعض فامْرُؤ ونفسه فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6