{ يَا أَيُّهَا } يا نداء أي إشارة، ها تنبيه { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [نصب على البدل من: أيّها] { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } يعني بالعهود. قال الزجّاج: العقود أو كل العهود. يقال: عاقدت فلاناً وعاهدت فلاناً، ومنه ذلك باستيثاق وأصله عقد الشيء بغيره. وهو وصله به كما يعقد الحبل بحبل إذا وصل شّداً قال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم
شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا
واختلفوا في هذه العقود ما هي، قال ابن جريح: هذا الخطاب خاص لأهل الكتاب وهم الذين آمنوا بالكتب المقدسة والرسل المتقدمين. أوفوا بالعهود التي عهد بها بينكم في شأن محمد، وهو قوله{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } [آل عمران: 81]. وقوله{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران: 187] وقال الآخرون: فهو عالم. قال قتادة: أراد به الذي تعاقدوا عليه في الجاهلية دليله قوله{ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء: 33]. ابن عباس: هي عهود الأيمان و(الفراق)، غيره: هي العقود التي عقدها الناس بينهم، { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } اختلفوا فيها، فقال الحسن وقتادة والربيع والضحّاك والسدّي: هي الأنعام كلها وهي إسم للبقر والغنم والإبل، يدل عليه قوله تعالى{ وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً } [الأنعام: 142] ثم بيّن ما هي، فقال{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ } [الأنعام: 143] وأراد بها ما حرّم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام. وقال الشعبي: بهيمة الأنعام: الأجنّة التي توجد ميتة في بطن أمهاتها إذا ذُبحت. وروى عطية العوفي عن ابن عمر في قوله تعالى { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } قال ما في بطونها، قلت: إن خرج ميتاً آكله.قال: نعم هي بمنزلة رئتها وكبدها. وروى قابوس عن أبيه عن ابن عباس أن بقرة نُحرت فوجد في بطنها جنين، فأخذ ابن عباس بذنب الجنين وقال: هذا من بهيمة الأنعام التي أُحلت لكم. وقال أبو سعيد الخدري: " سألنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الجنين، فقال: " ذكاته ذكاة أمّه ". قال الكلبي: بهيمة الأنعام وحشها، كالظباء وبقر الوحش مفردين، وإنما قيل لها بهيمة لأن كل حي لا يمّيز فهو بهيمة، سمّيت بذلك لأنها أُبهمت عن أن تميّز. { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يقول: عليكم في القرآن [لأنه حاكم] وهو قوله { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } إلى قوله { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } وقوله{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [الأنعام: 121]. { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } قال الأخفش: هو نصب على الحال يعني أوفوا بالعقود منسكين غير محلي الصيد وفيه [معنى النهي]. وقال الكسائي: هو حال من قوله { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } كما يقول: أُحل لكم الطعام غير معتدين فيه.