الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } * { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } يعني أعراب تميم، حيث نادوا: يا محمّد اخرج علينا، فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين، قاله قتادة. قال ابن عبّاس: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى حي من بني العنبر وأمّر عليهم عُيينة بن حصين الفزاري، فلمّا علموا أنّه توجّه نحوهم، هربوا، وتركوا عيالهم، فسباهم عُيينة، وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري، فقدموا وقت الظهيرة، وواقفوا رسول الله في أهله قائلاً، فلمّا رأتهم الذراري جهشوا إلى آبائهم يبكون، وكان لكلّ امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت، وحجرة، فعجلوا أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلوا ينادون: يا محمّد اخرج إلينا حتّى أيقظوه من نومه، فخرج إليهم، فقالوا: يا محمّد فادنا عيالنا.

فنزل جبريل، فقال: يا محمّد إنّ الله يأمرك أن تجعل بينك، وبينهم رجلاً، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " أترضون أن يكون بيني وبينكم سمرة بن عمرو، وهو على دينكم؟ ".

فقالوا: نعم. قال سمرة: أنا لا أحكم بينهم وعمّي شاهد، وهو الأعور بن شامة فرضوا به.

فقال الأعور: أرى أن يفادي نصفهم، ويعتق نصفهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد رضيت ".

ففادى نصفهم وأعتق نصفهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان عليه محرر من ولد إسماعيل، فليعتق منهم ". فأنزل الله سبحانه وتعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ } " .. الآية، وقال زيد بن أرقم: جاء ناس من الغرف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبيّاً فنحن أسعد الناس به، وأن يكن ملكاً نعشْ في جناحه. فجاءوا إلى حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه: يا محمّد، يا محمّد، فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } وهي جمع الحجر، والحجر جمع حجرة، فهو جمع الجمع، وفيه لغتان: فتح (الجيم) وهي قراءة أبي جعفر، كقول الشاعر:
أما كان عباد كفياً لدارم   يلي ولأبيات بها الحجرات
يعني يلي ولبني هاشم.

{ أَكْثَرُهُمْ } جهلاء { لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } لأنّك كنت تعتقهم جميعاً، وتطلقهم بلا فداء. { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أخبرنا ابن منجويه، قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدّثنا أحمد بن عيسى بن السكين البلدي، قال: حدّثني هاشم بن القاسم الحراني، قال: حدّثني يعلى بن الأشدق، قال: حدّثني سعد بن عبد الله، " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن قول الله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } قال: " هم الجفاة من بني تميم، لولا أنّهم من أشدّ الناس قتالاً للأعور الدجّال، لدعوت الله عزّ وجلّ أن يهلكهم ".


السابقالتالي
2 3 4