الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ } الآية، قال ابن عبّاس: نزلت في ثابت بن قيس، وذلك أنّه كان في إذنه وقر، فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس، أوسعوا له حتّى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم، وقد فاته من صلاة الفجر ركعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا انصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم (منه، فربض) كلّ رجل بمجلسه، فلا يكاد يوسع أحد لأحد، فكان الرجل إذا جاء، فلم يجد مجلساً، قام قائماً، كما هو، فلمّا فرغ ثابت من الصلاة، وقام منها، أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتخطّى رقاب الناس، ويقول: تفسحوا تفسحوا، فجعلوا يتفسحون له حتّى انتهى إلى رسول الله إلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل.

فقال له: تفسح. فقال له الرجل: قد أصبت مجلساً، فاجلس، فجلس ثابت من خلفه مغضباً، فلمّا ابينت الظلمة، غمز ثابت الرجل، وقال: مَنْ هذا؟ قال: أنا فلان. فقال له ثابت: ابن فلانة. ذكر أُمّاً له كان يعيَّر بها في الجاهلية. فنكس الرجل رأسه واستحيى، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.

وقال الضحّاك: نزلت في وفد تميم الذين ذكرناهم في صدر السورة، استهزءوا بفقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عمّار، وخباب، وبلال، وصهيب، وسلمان، وسالم مولى أبي حذيفة، لما رأوا من رثاثة حالهم، فأنزل الله سبحانه في الذين آمنوا منهم { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ } أي رجالٌ من رجال، والقوم اسم يجمع الرجال والنساء، وقد يختص بجمع الرجال، كقول زهير:
وما أدري وسوف إخال أدري   أقوم آل حصن أم نساء
{ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } نزلت في امرأتين من أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم سخرتا من أُمّ سلمة، وذلك أنّها ربطت خصريها بسبيبة وهي ثوب أبيض ومثلها السب وسدلت طرفيها خلفها. كانت تجرها.

فقالت عائشة لحفصة: انظري ما تجرّ خلفها كأنّه لسان كلب. فهذا كان سخريتهما.

وقال أنس: نزلت في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عيّرن أُمّ سلمة بالقِصَر. ويقال: نزلت في عائشة، أشارت بيدها في أُمّ سلمة أنّها قصيرة، وروى عكرمة، عن ابن عبّاس " أنّ صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ النساء يعيّرني فيقلن: يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هلاّ قلت: إنّ أبي هارون، وابن عمّي موسى، وإنّ زوجي محمّد " ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

{ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } "

السابقالتالي
2 3 4 5 6