{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } أنّك نبي صادق فيما تخبر، ونصب { شَهِيداً } على التفسير وقيل: على الحال، والقطع، ثمّ قال: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } تمّ الكلام هاهنا، ثمّ قال مبتدئاً: { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } (الواو) فيه (واو) الاستئناف { وَٱلَّذِينَ } في محل الرفع على الابتداء { أَشِدَّآءُ } غلاظ { عَلَى ٱلْكُفَّارِ } لا تأخذهم فيهم رأفة. { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } متعاطفون متوادّون بعضهم على بعض كقوله تعالى:{ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 54]. { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ } أن يدخلهم جنّته { وَرِضْوَاناً } أن يرضى عنهم. { سِيمَاهُمْ } علامتهم { فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } واختلف العلماء في هذه السيماء، فقال قوم: هو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة، يعرفون بتلك العلامة، أنّهم سجدوا في الدُّنيا، وهي رواية العوفي، عن ابن عبّاس، وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس: استنارت وجوههم من كثرة ما صلّوا. وقال شهر بن حوشب: تكون مواضع السجود من وجوههم، كالقمر ليلة البدر. قال آخرون: السمتُ الحسن، والخشوع، والتواضع، وهو رواية الوالبي عن ابن عبّاس، قال: أما إنّه ليس بالذي ترون، ولكنّه سيماء الإسلام وسجيّته، وسمته وخشوعه، وقال منصور: سألت مجاهداً عن قوله سبحانه وتعالى: { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } ، أهو الأثر يكون بين عينيّ الرجل؟ قال: لا ربّما يكون بين عينيّ الرجل، مثل ركبة العنز، وهو أقسى قلباً من الحجارة، ولكنّه نور في وجوههم من الخشوع، وقال ابن جريج: هو الوقار، والبهاء، وقال سمرة بن عطية: هو البهج، والصُفرة في الوجوه، وأثر السهرة. قال الحسن: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى، وما هم بمرضى، وقال الضحّاك: أمّا إنّه ليس بالندب في الوجوه، ولكنّه الصُفرة. وقال عكرمة، وسعيد بن جبير: هو أثر التراب على جباههم. قال أبو العالية: يسجدون على التراب لا على الأثواب، وقال سفيان الثوري: يصلّون بالليل، فإذا أصبحوا رؤي ذلك في وجوههم، بيانه قوله: صلّى الله عليه وسلّم: " من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ". قال الزهري: يكون ذلك يوم القيامة، وقال بعضهم: هو ندب السجود، وعلته في الجبهة من كثرة السجود. وبلغنا في بعض الأخبار إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة: يا نار أنضجي، يا نار أحرقي، وموضع السجود فلا تقربي، وقال عطاء الخراساني: دخل في هذه الآية كلّ من حافظ على الصلوات الخمسة. { ذَلِكَ } الذي ذكرت { مَثَلُهُمْ } صفتهم { فِي ٱلتَّوْرَاةِ } وهاهنا تمّ الكلام، ثمّ قال: { وَمَثَلُهُمْ } صفتهم { فِي ٱلإِنجِيلِ } فهما مثلان { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قرأه العامّة بجزم (الطاء)، وقرأ بعض أهل مكّة، والشام بفتحه، وقرأ أنس، والحسن، ويحيى بن وثاب (شطاه) مثل عصاه.