الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } * { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِين } يعني { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } في قولكم وبزعمكم، فأنا أولُ الموحدين المؤمنين بالله في تكذيبكم والجاحدين لما قلتم من إنّ له ولداً. قاله مجاهد.

وقال ابن عباس: يعني ما كان للرّحمن ولد وأنا أول الشاهدين له بذلك والعابدين له، جعل بمعنى النفي والجحد، يعني ما كان وما ينبغي له ولد. ثمّ ابتداء { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِين } ، وقال السدي: معناه، قل: { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ } أول من عبده بأنّ له ولد، ولكن لا ولد له، وقال قوم من أهل المعاني: معناه، قل { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ } الآنفين من عبادته.

ويحتمل أن يكون معناه ما كان للرحمن ولدٌ. ثم قال: فأنا أول العابدين الآنفين من هذا القول المنكرين إنّ له ولداً. يقال عبد إذا أنف وغضب عبداً. قال الشاعر:
ألا هويت أُم الوليد وأصحبت   لما أبصرت في الرأس مني تعبد
وقال آخر:
متى ما يشاء ذو الود يَصرّم خليله   ويعبد عليه لا محالة ظالما
أخبرنا عقيل بن محمد أجازة، أخبرنا أبو الفرج، أخبرنا محمد بن جرير،حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، حدثنا ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، عن ابن قشط، عن نعجة بن بدر الجهني إنّ امرأة منهم دخلت على زوجها وهو رجل منهم أيضاً فولدت في ستة أشهر فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان رضي الله عنه وأمر بها ترجم، فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إنّ الله تعالى يقول في كتابه:وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15] وقال: (وفصاله في عامين) قال: فوالله ما عبد عثمان رضي الله عنه أن بعث إليها ترد. قال عبد الله بن وهب: ما استنكف ولا أنف

{ سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } يكذبون. { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ } في باطلهم. { وَيَلْعَبُواْ } في دنياهم. { حَتَّىٰ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } يعني يعبد في السّماء ويعبد في الأرض. { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } في تدبير خلقه. { ٱلْعَلِيمُ } بصلاحهم.

{ وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ }.

اختلف العلماء في معنى هذه الآية. فقال قوم: { مِن } في محل النصب وأراد ب { ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } عيسى وعزير والملائكة، ومعنى الآية: ولا يملك عيسى وعزير والملائكة { ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ } فآمن على علم وبصيرة، وقال آخرون: { مَن } في وضع رفع والّذين يدعون الأوثان والمعبودين من دون الله. يقول: ولا يملك المعبودون من دون الله { ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ } وهم عيسى وعزير والملائكة يشهدون بالحقّ.

{ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } حقيقة ما شهدوا. { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } عن عبادته. { وَقِيلِهِ } يعني قول محمد صلى الله عليه وسلم شاكياً إلى ربّه. { يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ }.

واختلف القُراء في قوله:، فقرأ عاصم وحمزة { وَقِيلِهِ } بكسر اللام على معنى { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } وعلم قيله، وقرأ الأعرج بالرفع، أي وعنده قيله، وقرأ الباقون بالنصب وله وجهان: أحدهما: إنّا لا نسمع سرهم ونجواهم ونسمع قيله والثاني: وقال: { وَقِيلِهِ }.

{ فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ } نسختها آية القتال، ثمّ هددهم.

{ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } بالتاء أهل المدينة والشام وحفص، واختاره أيوب وأبو عبيد، الباقون بالياء.