الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } * { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ }

{ حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً }. أي أنزلناه وسميناه وبيّناه ووصفناه. كقوله تعالى: { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ } ، وقوله: { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } [الزخرف: 19]، وقوله:ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } [الحجر: 91]، وقوله تعالى:أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } [التوبة: 19]. كلّها بمعنى الوصف والتسمية ويستحيل أن يكون بمعنى الخلق. { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ } يعني هذا الكتاب. { فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } يعني اللوح المحفوظ الّذي عند الله تعالى منه ينسخ، وقال قتادة: أصل الكتاب وجملته.

أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، أخبرنا مكي بن عيدان، حدثنا عبد الله بن هاشم بن حيان، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا هشام الدستوائي، حدثني القاسم بن أبي يزه، حدثني عروة بن عامر القريشي، قال: سمعت ابن عباس يقول: إنّ أول ما خلق الله تعالى القلم وأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق والكتاب عنده ثمّ قرأ { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ }.

{ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ * أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً }. إختلفوا في معناه. فقال قوم: أفنضرب عنكم العذاب ونمسك ونعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم، وهذا قول مجاهد والسدي، ورواية الوالبي عن ابن عباس. قال: أفحسبتم إنّه يصفح عنكم ولما تعقلوا ما أَمرتم به، وقال آخرون: معناه أفنمسك عن إنزال القرآن ونتركه من أجل أنّكم لا تؤمنون به فلا ننزله ولا نكرره عليكم، وهذا قول قتادة وإبن زيد.

وقال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رُفع حين ردّه أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة. أو ما شاءَ الله من ذلك.

وقال الكلبي: أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم. الكسائي: أفنطوي عنكم الذكر طيًّا، فلا تدعون ولا توعظون.

وهذا من فصيحات القرآن، والعرب تقول لمن أَمسك عن الشيء وأعَرض عنه: ضرب عنه صفحاً، والأصل في ذلك إنّك إذا أعرضت عنه ولّيته صفحة عنقك، قال كثير:
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلَةً   فمن ملّ منها ذلك الوصل مَلّتِ
أي معرضة بوجهها، وضربت عن كذا وأَضربت، إذا تركته وأمسكت عنه.

{ أَن كُنتُمْ } قرأ أهل المدينة والكوفة إلاّ عاصماً أن تُكتب الألف على معنى إذ. كقوله:وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 278]، وقوله:إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [النور: 33].

وقرأ الآخرون بالفتح على معنى لأنّ كنتم أرادوا على معنى المضي كما يقول في الكلام: أَسبّك إن حرمتني، يريد إذا حرمتني. قال أبو عبيدة: والنّصبُ أَحبُّ إليَّ؛ لأنّ الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم وعلمه قبل ذلك من فعلهم.

{ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } مُشركين متجاوزين أمر الله. { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم }.

السابقالتالي
2