الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } * { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } * { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } * { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }

{ وَمَن يَعْشُ } يعرض { عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } فلم يخف عقابه ولم يرج ثوابه.

وقال الضحاك: يمض قدماً. القرظي: يولّ ظهره على ذكر الرّحمن وهو القرآن. أبو عبيدة والأخفش: أي تظلم عينه، الخليل بن أحمد: أصل العشو النظر ببصر ضعيف، وأنشد في معناه:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره   تجد خير نار عندها خير موقد
وروى نوفل بن أبي عقرب عن ابن عباس إنَّه قرأ { وَمَن يَعْشُ } بفتح الشين ومعناه: «من يعم». يقال منه: عشي يعشي عشياً إذا عمي، ورجل أعشى وامرأة عشواء، ومنه قول الأعشى:
رأت رجلا غائب الوافدين   مختلف الخلق أعشى ضريرا
{ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } أي نظمه إليه ونسلّطه عليه { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } فلا يفارقه. { وَإِنَّهُمْ } يعني الشياطين { لَيَصُدُّونَهُمْ } يعني الكافرين. { عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } قرأ أهل العراق وابن محيص على الواحد يعنون الكافر، واختاره أبو عبيد وقرأ الآخرون { جَآءَنَا } على التشبيه يعنون الكافر وقرينه.

{ قَالَ } الكافر للشيطان. { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } أي المشرق والمغرب، فقلب إسم أحدهما على الآخر، كما قال الشاعر:
أخذنا بآفاق السّماء عليكم   لنا قمراها والنجوم الطوالع
يعني الشمس والقمر، ويقال للغداة والعشي: العصرات، قال حميد بن ثور:
ولن يلبث العصران يوم وليلة   إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
وقال آخر:
وبصرة الأزد منا والعراق لنا   والموصلان ومنا المصر والحرم
أراد الموصل والجزيرة، ويقال للكوفة والبصرة: البصرتان، ولأبي بكر وعمر " رضي الله عنهما ": العمران، وللسبطين: الحسنان، وقال بعضهم: أراد بالمشرقين، مشرق الصيف ومشرق الشتاء. كقوله تعالى:رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمن: 17]. { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشيطان فلا يفارقه حتّى يصير إلى النّار.

{ وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ } في الآخرة { إِذ ظَّلَمْتُمْ } أشركتم في الدّنيا { أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } يعني لن ينفعكم إشراككم في العذاب لأنّ لكلّ واحد نصيبه الأوفر منه فلا يخفف عنكم العذاب لأجل قرنائكم.

وقال مقاتل: لن ينفعكم الإعتذار والندم اليوم لأنّكم أنتم وقرناؤكم مشتركون اليوم في العذاب كما كنتم مشتركين في الكفر.

{ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } يعني الكافرين الّذين حقّت عليهم كلمة العذاب فلا يؤمنون.

{ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } فنميتك قبل أن نعذبهم. { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ } فنعذبهم في حياتك.

{ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } قال أكثر المفسرين: أراد به المشركين من أهل مكّة فإنتقم منهم يوم بدر، وقال الحسن وقتادة: عني به أهل الإسلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان بعد نبي الرحمة نقمة شديدة فأكرم الله نبيه وذهب به، ولم يُره في أمته إلاّ الّذي تقر عينه، وأبقى النقمة بعده، وليس من نبي إلاَّ أُرى في أُمته العقوبة، وذكر لنا إنّ النبي صلى الله عليه وسلم أُري ما يصيب أمته بعده فما رُئيَ ضاحكاً منبسطاً حتّى قبضه الله تعالى.

السابقالتالي
2 3