الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ } الآية وذلك إنّ اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فإنّا لا نؤمن لك حتّى تفعل ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم " لم ينظر موسى إلى الله " فأنزل الله تعالى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ }.

{ إِلاَّ وَحْياً } يوحي إليه كيف يشاء إما بالإلهام أو في المنام. { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } بحيث يسمع كلامه ولا يراه كما كلم موسى (عليه السلام) { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً }. إليه من ملائكة، إما جبريل وإما غيره. { فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ }.

قرأ شيبة ونافع وهشام (أو يُرسل) برفع اللام على الابتداء (فيوحي) بإسكان الياء، وقرأ الباقون بنصب اللام والياء عطفاً بهما على محلّ الوحي لأنّ معناه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ أن يوحي أو يرسل.

{ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ } أي وما أوحينا إلى سائر رُسلنا كذلك. { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا }. قال الحسن: رحمة. ابن عباس: نبوة. السدّي: وحياً. الكلبي: كتاباً. ربيع: جبريل. ملك بن دينار: يعني القرآن، وكان يقول: يا أصحاب القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم فإنّ القرآن ربيع القلوب كما الغيث ربيع الأرض.

{ مَا كُنتَ تَدْرِي } قبل الوحي. { مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } يعني شرائع الإيمان ومعالمه.

وقال أبو العالية: يعني الدعوة إلى الإيمان، وقال الحسين بن الفضل: يعني أهل الإيمان من يؤمن ومن لا يؤمن، وقال محمد بن إسحاق بن جرير: الإيمان في هذا الموضع الصلاة. دليله قوله تعالى:وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة: 143].

{ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً } وحّد الكتابة وهما اثنان: الإيمان والقرآن؛ لأن الفعل في كثرة أسمائه بمنزلة الفعل، ألا ترى إنّك تقول إقبالك وإدبارك يُعجبني فيوحّدوه وهما إثنان.

وقال ابن عباس: (ولكن جعلناه) يعني الإيمان، وقال السُدّي: يعني القرآن.

{ نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ } لتُرشد وتدعوا. { إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، حدثنا أحمد بن محمد بن شاذان، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا صالح بن محمد، قال: سمعت أبا معشر يحدّث، عن سهل بن أبي الجعداء وغيره. قال: إحترق مصحف فلم يبق إلاّ قوله سبحانه وتعالى: { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } وغرق مصحف فإمتحى كُلّ شيء فيه إلاَّ قوله: { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }.