الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } * { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

{ أَمْ يَقُولُونَ } يعني كفّار مكّة. { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ }. قال مجاهد: يعني يربط عليه بالصبر حتّى لا يشق عليك أذاهم، وقال قتادة: يعني يطبع على قلبك فينسيك للقرآن، فأخبرهم إنّهُ لو افترى على الله لفعل به ما أخبرهم في الآية.

ثمّ ابتدأ، فقال عزّ من قائل: { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ }. قال الكسائي: فيه تقديم وتأخير. مجازه: الله يمحو الباطل. فحذفت منه الواو في المصحف، وهو في وضع رفع كما حذفت من قوله:وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ } [الإسراء: 11]سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [العلق: 18] على اللفظ.

{ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ }. [.......]. { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } قال ابن عباس: لما نزلت { لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... } وقع في قلوب قوم منها شيء، وقالوا: ما يريد إلاّ أن يحثنا على أقاربه من بعده. ثمّ خرجوا، فنزل جبريل (عليه السلام) فأخبره إنّهم اتهموه وأنزل هذه الآية، فقال القوم: يا رسول الله فإنّا نشهد إنّك صادق، فنزل { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } وأختلفت عبارات العلماء في حقيقة التوبة وشرائطها.

أخبرنا الإمام أبو القاسم الحسن بن محمّد بن حبيب بقراءته عليّ. في شهور سنة ثمان وثمانين وثلثمائة، حدثنا محمّد بن سليمان بن منصور، حدثنا محمّد مسكان بن جبلة بسّاوة. أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي داود عن إبراهيم بن طهمّان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، قال: دخل إعرابي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللَّهمّ إنّي استغفرك وأتوب إليك، سريعاً وكبّر، فلما فرغ من صلاته قال له علي: يا هذا إنّ سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذّابين، وتوبتك تحتاج إلى توبة، قال: يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معاني: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، وردّ المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما أذبتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كُلّ ضحك ضحكته.

وسمعت الحسن بن محمّد بن الحسن، يقول: سمعت إبراهيم بن يزيد، يقول: سمعت حسن بن محمّد الترمذي يقول: قيل لأبي بكر محمّد بن مر الوراق: متى يكون الرجل تائباً؟ فقال: إذا رجع إلى الله فراقبه واستحياهُ وخاف نقمته فيما عصاه، وألتجاء إلى رحمته فرجاه، وذكر حلمه في ستره فأبكاه، وندم على مكروه أتاه، وشكر ربّه على ما أتاه، وفهم عن الله وعظه فوعاه، وحفظ عهده فيما أوصاه.

وسمعت الحسن بن محمّد بن حبيب، يقول: سمعت أبا منصور محمّد بن محمّد بن سمعان المذكر، يقول: سمعت أبا بكر بن الشاه الصوفي الفارسي، يقول: سئل الحرب بن أسد المحاسبي: من التائب؟ فقال: من رأى نفسه من الذنوب معصوماً، وللخيرات موفقاً، ورأى الفرح من قلبه غائباً والحزن فيه باقياً، وأحبّه أهل الخير، وهابه أهل الشّر، ورأى القليل من الدّنيا كثيراً، ورأى الكثير من عمل الآخرة قليلاً، ورأى قلبه فارغاً من كلّ ما ضمن له، مشتغلاً بكلّ ما أمر به.

السابقالتالي
2 3 4