الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وذلك إنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر رسول الله إلى المدينة وأسلم معه، ثم خاف أن يظهر إسلامه لأهله، وأن يبلغ أهل مكة إسلامه، فخرج هارباً من مكة إلى المدينة، ثم قدمها فكان أطماً من آطامها فتحصن فيه، فجزعت لذلك امه جزعاً شديداً، حين بلغها إسلامه، وخروجه إلى المدينة، فقالت: لابنها الحرث وأبي جهل بن هشام وهما أخواه لأمه، والله لايظلني سقف ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى تأتوني به، فخرج في طلبه وخرج معهم الحرث ابن زيد بن أبي أنيسة من الكعبة إلى المدينة، فأتوا بالمدينة، فاتوا عياشاً وهو في الأطم " يعني الجبل " فقالا له: إنزل فإن أمك لم يؤوها سقف بيت بعدك، وقد حَلفت أن لا تأكل طعاماً ولا تشرب شراباً حتى ترجع إليها. ذلك عهد الله علينا ان لا نكرهك على شيء ولا نحول بينك وبين دينك، فلما ذكروا له خرج اليهم ثم حلفوا بالله، فنزل إليهم فأخرجوه من المدينة، ثم أوثقوه بنسع فجلده كل رجل منهم مائة جلدة، ثم قدموا به على أمه وهي أسماء بنت مخرمة، فلما دخل قالت: والله لا أفكك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به.

ثم تركوه متروكاً موثقاً في الشمس ماشاء الله ثم أعطاهم الذي أرادوا فأتاه الحرث بن زيد، فقال له: ياعياش هذا الذي كنت عليه، فوالله لئن كان هدى لقد تركت الهدى ولئن كانت ضلالة لقد كنت عليها فغضب عياش من مقاله، وقال: والله لا ألقاك خالياً أبداً إلاّ قتلتك، ثم أن حارثاً بعد ذلك أسلم وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكان عياش يؤمئذ حاضراً، ولم يشعر باسلامه فبينا عياش حاضر إذ لقي الحرث بن زيد ولما رآه حمل عليه فقتله فقال الناس: أي شيء [صنعت] إنه قد أسلم، فرجع عياش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد كان أمري وأمر الحرث ماقد علمت وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته، فنزل عليه قوله تعالى { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } أي لا ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلاّ خطئاً وليس معنى قوله { وَمَا كَانَ } على النفي وإنما هو على التحريم والنهي كقولهوَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } [الأحزاب: 53].

ولو كان ذلك على النفي لما وجدت مؤمناً قتل مؤمناً قط لأنّ ما نفى الله لم يجز وجوده. كقوله تعالى:مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } [النمل: 60] ولايقدر العباد على إنبات شجرها البتة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10