الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } * { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } * { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } * { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } يعني آدم { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } يعني حواء، ونظيرها في سورة الأعراف والزّمر { وَبَثَّ } نشر وأظهر { مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ } تسألون به، وخففه أهل الكوفة على حذف إحدى التائين تخفيفاً كقوله:وَلاَ تَعَاوَنُواْ } [المائدة: 2] ونحوها، { وَٱلأَرْحَامَ }.

قراءة العامة: نصب أي واتقوا الأرحام إن تقطعوها.

وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف وقتادة والأعمش وحمزة: بالخفض على معنى وبالأرحام، كما يقال: سألتك بالله والرحمن، ونشدتك بالله والرحمن، والقراءة الأولى أصح وأفصح، لأن العرب لا يكلأ بنسق بظاهر على المعنى، إلاّ أن يعيدوا الخافض فيقولون: مررت به وبزيد، أو ينصبون.

كقول الشاعر:
يا قوم مالي وأبي ذويب   
إلاّ أنه جائز مع قوله، وقد ورد في الشعر.

قال الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا   اذهب فمالك والأيام من عجب
وأنشد الفراء لبعض الأنصار:
نعلق في مثل السواري سيوفنا   وما بينها والكعب غوط نفانف
وقرأ عبد الله بن يزيد المقبري: (والأرحام) رفعاً على الابتداء، كأنه نوى تمام الكلام عند قوله { تَسَآءَلُونَ بِهِ } ثم ابتدأ كما يقال: زيد ينبغي أن يكرم، ويحتمل أن يكون إغراء، لأن العرب من يرفع المغري.

وأنشد الفراء:
أين قوماً منهم عمير   وأشباه عمير ومنهم السفاح
لجديرون باللقاء إذا قال   أخو النجدة السلاح السلاح
{ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } أي حافظاً، قيل: بمعنى فاعل { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } الآية.

قال مقاتل والكلبي: " نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال، فمنعه عمه فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول، نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من يوق شح نفسه ويطع ربّه هكذا فإنه يحل داره " يعني جنته، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ثبت الأجر وبقي الوزر ".

فقالوا: يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر؟ وهو بقي في سبيل الله.

فقال: " يثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده، وآتوا خطاب لأولياء اليتيم والأوصياء ".

وقوله تعالى: { ٱلْيَتَامَىٰ } فلا يتم بعد البلوغ، ولكنه من باب الاستعارة، كقوله:وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } [الأعراف: 120] ولا سحرة مع السجود، ولكن سمّوا بما كانوا عليه قبل السجود، وقوله: { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } أي من كانوا يتامى إذا بلغوا وآنستم منهم رشداً، نظيره: { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ } [النساء: 2]، { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } يعني لا تستبدلوا مالهم الحرام عليكم بأموالكم الحلال لكم، نظيره قوله:لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } [المائدة: 100] واختلفوا في معنى هذا التأويل وكيفيته: فقال سعيد بن المسيب والنخعي والزهري والسدي والضحاك: كان أولياء اليتامى وأوصيائهم يأخذون الجيد والرفيع من مال اليتامى، ويجعلون مكانه الرديء والخسيس، فربما كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من مال اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة، ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف، ويقول: درهم بدرهم، فذلك تبدلهم فنهاهم الله تعالى عنها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد