الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } * { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } * { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } * { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } * { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً }

{ ٱلَّذِينَ } في محل النصب ردّاً على { مَّنْ } وقيل: (المختال الفخور)، { يَبْخَلُونَ } البخل في كلام العرب: منع الرجل سائله ما لديه من فضل عنه، وفي الشرع: منع الواجب، وفيه أربع لغات: البخل بفتح الباء والخاء وهي قراءة أنس بن مالك وعبيد بن عمير ويحيى بن يعمر ومجاهد وحمزة والكسائي وخلف والمفضل ولغة الأنصار. والبَخْل بفتح الباء وسكون الخاء وهي قراءة قتادة وعبد الله بن سراقة، وأيّوب السجستاني، والبُخُل بضم الباء والخاء وهي قراءة عيسى بن عمرو. والبُخْل بضم الباء وجزم الخاء وهي قراءة الباقين، واختيار أبي عبيد وأبي مسلم لأنها اللغة العالية، وفي الحديد مثله. وكلُّها لغات، ونظيره في الكلام: (أرض جَرز، وجُرُز، وجُرْز).

واختلف العلماء في نزول الآية ومعناها، فقال أكثرهم: نزلت في اليهود؛ كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبيّنوها للنّاس، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في التوراة. يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } ، قال هذا في العلم ليس للدنيا منه شيء.

قال ابن عباس وابن زيد: نزلت في كردم بن زيد وأُسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع ويحيى بن يعمر وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت، كانوا يأتون رجالا من الأنصار ويخالطونهم وينصحونهم، فيقولون لهم لا تنفقوا أموالكم؛ فإنّا نخشى عليكم الفقر، ولا ندري ما يكون، فأنزل الله عزّ وجلّ { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } إلى قوله: { مِن فَضْلِهِ } يعني المال.

وقال يمان: يعني يبخلون بالصدقة. الفضل بن فضالة، عن أبي رجاء قال: خرج علينا عمران بن حصين في مطرف من خزّ لم نره عليه قبل ولا بعد، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة، أحبَّ أن يُرى أثر نعمته عليه ".

{ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً * وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ } إلى الأخير، محل الذين نصب عطفاً على قوله: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } ، وإن شئت جعلته في موضع الخفض عطفاً على قوله: { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ } نزلت في اليهود، وقال السدي: في المنافقين، وقيل: في مشركي مكة المتفقين على عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً } صاحباً وخليلا، وهو فعيل من الاقتران، قال عدي بن زيد:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه   فكل قرين بالمقارن يقتدي
{ فَسَآءَ قِرِيناً } فبئس الشيطان قريناً، وقد نصب على التمييز، وقيل: على الحال، وقيل: على القطع بإلقاء الألف واللام منه، كما نقول: نعم رجلا، عبد الله، تقديره: نعم الرجل عبد الله، فلمّا حذف الألف واللام نصب، كقولهبِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } [الكهف: 50]، وسَآءَ مَثَلاً } [الأعراف: 177]، ووَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } [الكهف: 29]، و

السابقالتالي
2 3 4 5