{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً * إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ } يعني اليهود الذين علم الله تعالى منهم إنهم لايؤمنون { لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً } يعني دين الإسلام { إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } يعني اليهودية { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } إلى قوله تعالى { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ } الآية نزلت في النسطورية والماريعقوبية والملكانية والمرقوسية وهم نصارى نجران وذلك إن الماريعقوبية قالوا لعيسى: هو الله، وقالت النسطورية: هو ابن الله، وقالت المرقوسية: هو روح الله، فأنزل الله تعالى { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } يعني يا أهل الانجيل وهم النصارى { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } أي لا تتشددوا في دينكم فتفتروا عليّ بالكذب، وأصل الغلو مجاوزة الحد في كل شيء، يقال: غلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها يغلو بها غلواً وغلاء. خالد المخزومي:
خمصانة فلق موشحها
رؤد الشباب غلا بها عِظَم
{ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } لا تقولوا أن لله شركاء أو ابناً، ثم بين حال عيسى وصفته فقال { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } وهو الممسوح المطهر من الذنوب والأدناس التي تكون في الناس كما يمسح للشيء من الاذى الذي يكون فيه فيطهر، عيسى ابن مريم لا ابن الله بل رسول الله [وعبده قال: " إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبّياً " ] ردَّ بهذا على اليهود والنصارى جميعاً { وَكَلِمَتُهُ } يعني قوله: كن، فكان بشراً من غير أب وذلك قوله تعالى{ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [آل عمران: 59] الآية وقيل: هي بشارة الله مريم بعيسى ورسالته إليها على لسان جبرئيل وذلك قوله تعالى{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ } [آل عمران: 45] وقال تعالى مصدّقاً بكلمة من الله { أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } يعني أعلمها وأخبرها بها كما يقال: ألقيت إليك كلمة حسنة { وَرُوحٌ مِّنْهُ } الآية. قال بعضهم: معناه ونفخة منه وذلك أن جبرئيل نفخ في درع مريم فحملت بإذن الله، فقال: { وَرُوحٌ مِّنْهُ } لأنه بأمره كان المسيح وربما لأنه ريح يخرج من الروح، قال ذو الرمة يصف شرر النار التي تسقط من القداحة:
فقلت له ارمها إليك وأحيها
بروحك واقتته لها قيتة قدراً
واجعل لها قوتاً بقدر. يدل عليه قوله تعالى { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [الأنبياء: 91] الآية هذا معنى قول عذرتها. وقال أبو عبيدة: إنّه كان إنساناً بإحياء الله عز وجل إياه، يدل عليه قول السدّي { وَرُوحٌ مِّنْهُ } أي مخلوق من عنده، وقيل: معناه ورحمة من الله تعالى، عيسى رحمة لمن شهد وآمن به، يدل عليه قوله في المجادلة{ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [المجادلة: 22] أي قوّاهم برحمة منه، فدلّ الروح بالوحي أوحى إلى مريم بالبشارة وأوحى إلى مريم بالمسيح وأوحى أنه ابن مريم يدلّ عليه (قوله تعالى: { بروح منه } ) يعني بالوحي، وقال في حم المؤمن: