الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً } * { مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

{ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } يعني أهل التوراة والإنجيل وسائر الكتب المتقدمة على الإسلام { وَإِيَّاكُم } يا أهل القرآن في كتابكم { أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي وحّدوا الله وأطيعوا ولا تشركوا به شيئاً { وَإِن تَكْفُرُواْْ } بما أوصاكم الله به { وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً } عن جميع خلقه غير محتاج إلى شيء ممّا في ايديهم.

وحقيقية الغنيّ عند أصحاب الصفات من له غنى.

والغنى هو القدرة على ما يريد، والغنيّ القادر على ما يريد، ثم ينظر فإن كان قادراً على [وصف] الحاجة عليه وَسَمْنَاهُ بذلك، وإن كان الوصف بالحاجة عليه لم يصفه به، والفقر العجز عن ذلك وعدمه. وإلى هذا ذهب [المعتزلة].

وقال الجبائي: إن معنى الوصف لله بإنه غني هو أنّه لا تصل إليه المنافع والمضار، ولا يجوز عليه اللذات والسرور والآلام، والأول أصوب بذلك في الشاهد والغائب، وإطلاق المسلمين بعضهم لبعض إنه غني وفقير، والله اعلم.

{ وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }.

الضحاك عن ابن عباس: يعني دافعاً مجيراً.

عكرمة عن ابن عباس: يعني شهيداً { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } فيميتكم يعني الكفار { وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } يعنى بغيركم خيراً منكم وأطوع { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً } أي مستطيعاً على ذلك.

القادر والقدير عند أصحاب الصفات من له قدرة قائمة به بائن بها عن العاجز ثم يختلف القادرون بعد ذلك فمنهم من تكون قدرته حالّة في بعضه، ومنهم من تكون قدرته غير موصوفة بالحلول، والقدرة هي التي يكون بها الفعل من غير ان يموت بموته ولا يموت ويعود للعجز معها.

قالت المعتزلة: القادر هو الذي يجوز منه الفعل، والدليل على صحة ما قال أصحاب الصفات إن القادر رأيناه مخالفاً للمعاجز فيما قدر عليه وقد بطل أن يخالفه من أجل إنه صفة لموصوف يخالف سائر الموصوفين بها أو يخالف من أجل إنه محدث به خلاف العاجز فلما يتعلق هذه الأقسام صح إنه إنما يخالفه لأن له قدرة ليست للعاجز فلذلك قلنا إن القديم جل جلاله قادر بقدرة دون أن يكون قادر بنفسه.

{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ }.

يقول: من كان يريد بعمله الذي فرضه الله [بقدرته] عرضاً من الدنيا ولايريد به الله أثابه الله عليه ما أحب الله من عرض الدنيا أو دفع عنه فيها ما أحب الله، وليس له في الآخرة من ثواب لأنه عمل لغير الله، ومن أراد بعمله الذي افترضه الله عز وجل عليه في الدنيا ثواب الآخرة أثابه الله عليه من عرض الدنيا ما أحب الله ودفع عنه ما أحب الله وجزاه في الآخرة الجنة بعمله.

السابقالتالي
2