الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } * { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً }

{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ }.

الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس يعني قوم طعمة { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } أي حثّ عليها { أَوْ مَعْرُوفٍ } يعينه بفرض أسباب { أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } يعني بين طعمة واليهودي { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } القرض بمنح أو هدية { ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } أي طلب رضاه { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ } في الآخرة { أَجْراً عَظِيماً } يعني جنة.

وعن ابن سيرين: معنى النجوى في الكلام المفرد به الجماعة، والانسان سراً كان أو ظاهراً، ومعنى النجوى في لغة خاصة ومنه نجوت الجلد عن البعير وغيره أي ألقيته عنه.

قال الشاعر:
فقلت أنجوا منها نجا الجلد انه   سيرضيكما منها سنام وغار به
ويقال: نجوت فلاناً إذا استنكهته.

قال الشاعر:
نجوت مجالداً فوجدت منه   كريح الكلب مات حديث عهد
ونجوت وتر واستنجيته إذا أخلصه.

قال الشاعر:
فتبازت فتبازخت لها   كجلسة الأعسر يستنجي الوتر
وأصله كله من النجوة فهو مرتفع من الأرض.

قال الشاعر:
كمن بنجوته كمن بعقوته   والمستكن كمن يمشي بقرواح
فمعنى { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } يعني ما دوّن منهم من الكلام (إلاّ من أمر بصدقة) يجوز ان يكون في موضع الخفض والنصب والرفع، فوجه الخفض على قولك: لاخير في كثير من نجواهم إلاّ فيمن أمر بصدقة.

والنجوى ههنا الرجال المتناجون كما قال: ولاهم نجوى.

وقال قائلون: النجوى لمنة فيه فالمنصوب يعلا أن يجعل النجوى فعلاً ويكون قوله إلاّ استنثاء من غير الجنس فيكون وجه النصب ظاهراً.

قال النابغة:
إلاّ الأواري لأيّا ما أبينها   والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
وقد يكون في موضع رفع فمن نصب على المعرفة.

وقال الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس   إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
{ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } نزلت في طعمة بن الأبرق أيضاً وذلك إنه لما نزل القرآن فيه وعلم قومه إنه ظالم وخاف هو على نفسه من القطع والفضيحة، هرب إلى مكة فأنزل الله فيه { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } أي يخالف (من بعد ما تبين له الهدى) أي التوحيد بحدوده { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يقول غير دين المؤمنين دين أهل مكة عبادة الاوثان { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } نكله وما أدخره إلى ما تولى في الدنيا { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } فلم ينتهِ طعمة ولم يراجع وتعمد فأدلج على الرجل من بني سليم من أهل مكة فقال له الحجاج: كف أخلاط فنقب بيته فسقط عليه حجر من البيت فتسبب فيه فلم يستطع أن يدخل فقال رجّحني بمعنى أصبح فأخذ [يتفل]، فقال بعضهم: دعوه فإنه لجأ إليكم، فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام فرد فراراً منهم فسرق بعض بضاعتهم وهرب فطلبوه وأخذوه فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فصار قبره تلك الاحجار ويقال انه ركب البحر إلى جدّة فسرق من السفينة كيساً فيه دنانير فأمسكوا به فأخذ وأُلقي في البحر، ويقال إنه نزل في حرة بني سليم وكان يعبد صنماً لهم إلى إن مات، فأنزل الله فيه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } فنزل فيه

السابقالتالي
2 3