{ إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ } قال الفراء: قد كرر إذ مرتين، ويكون معناهما كالواحد، كقولك: ضربتك إذ دخلت علي إذ اجترأت، فالدخول هو الاجتراء، ويجوز أن يجعل أحديهما على مذهب لما. { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } حين همّا عليه محرابه بغير إذنه. { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } ياداود { خَصْمَانِ } أي نحن خصمان { بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ } ولا تجز، عن ابن عبّاس والضحاك. وقال السدي: لاتسرف. المؤرخ: لاتفرط. وقرأ أبو رجاء العطاردي: ولا تَشطُط بفتح التاء وضم الطاء الأولى، والشطط والأشطاط مجاوزة الحد، وأصل الكلمة من حدهم شطت الدار، وأشطت إذا بعدت. { وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } أيّ وسط الطريق، فإن قيل: كيف قال: إن هذا أخي فأوجب الأخوة بين الملائكة ولامناسبة بينهم، لأنهم لاينسلون. في الجواب: أن معنى الآية: نحن لخصمين كما يقال وجهه: القمر حسناً، أيّ كالقمر. قال أحد الخصمين { إِنَّ هَذَآ أَخِي } على التمثيل لا على التحقيق، على معنى كونهما على طريقة واحدة وجنس واحد، كقوله سبحانه:{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10] وقد قيل: إن المتسورين كانا أخوين من بني إسرائيل لأب وأم، وإن أحدهما كان ملكاً والآخر لم يكن ملكاً، فنبها داود على ما فعل. { لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } وهذا من أحسن التعريض، حتّى كنّى بالنعاج عن النساء. والعرب تفعل ذلك كثيراً توري عن النساء بالظباء والشاة والبقر وهو كثير وأبين في أشعارهم. قال الحسن بن الفضل: هذا تعريض التنبيه والتفهيم، لأنه لم يكن هناك نعاج ولابغي، وإنما هو كقول الناس ضرب زيد عمراً، وظلم عمرو زيداً، واشترى بكر داراً وما كان هناك ضرب ولاظلم ولاشراء. { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا }. قال ابن عبّاس: أعطنيها. ابن جبير عنه: تحوّل لي عنها. مجاهد: أنزل لي عنها. أبو العالية: ضمها إليَّ حتّى أكفلها. ابن كيسان: اجعلها كفلي، أي نصيبي. { وَعَزَّنِي } وغلبني { فِي ٱلْخِطَابِ }. قال الضحاك: إن تكلم كان أفصح مني، وإن حارب كان أبطش مني. وقرأ عبيد بن عمير: وعازني في الخطاب بالألف من المعاز وهي المغالبة. فقال داود: { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } فإن قيل: كيف جاز لداود أن يحكم وهو لم يسمع كلام الخصم الآخر؟ قيل: معنى الآية أن أحدهما لمّا ادّعى على الآخر عرّف له صاحبه، فعند اعترافه فصل القضية بقوله: (لقد ظلمك) فحذف الاعتراف، لأن ظاهر الآية دال عليه، كقول العرب: أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال. وقال الشاعر: