الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } * { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } * { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } * { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

{ إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ } قال الفراء: قد كرر إذ مرتين، ويكون معناهما كالواحد، كقولك: ضربتك إذ دخلت علي إذ اجترأت، فالدخول هو الاجتراء، ويجوز أن يجعل أحديهما على مذهب لما.

{ فَفَزِعَ مِنْهُمْ } حين همّا عليه محرابه بغير إذنه.

{ قَالُواْ لاَ تَخَفْ } ياداود { خَصْمَانِ } أي نحن خصمان { بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ } ولا تجز، عن ابن عبّاس والضحاك.

وقال السدي: لاتسرف. المؤرخ: لاتفرط.

وقرأ أبو رجاء العطاردي: ولا تَشطُط بفتح التاء وضم الطاء الأولى، والشطط والأشطاط مجاوزة الحد، وأصل الكلمة من حدهم شطت الدار، وأشطت إذا بعدت.

{ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } أيّ وسط الطريق، فإن قيل: كيف قال: إن هذا أخي فأوجب الأخوة بين الملائكة ولامناسبة بينهم، لأنهم لاينسلون.

في الجواب: أن معنى الآية: نحن لخصمين كما يقال وجهه: القمر حسناً، أيّ كالقمر.

قال أحد الخصمين { إِنَّ هَذَآ أَخِي } على التمثيل لا على التحقيق، على معنى كونهما على طريقة واحدة وجنس واحد، كقوله سبحانه:إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10] وقد قيل: إن المتسورين كانا أخوين من بني إسرائيل لأب وأم، وإن أحدهما كان ملكاً والآخر لم يكن ملكاً، فنبها داود على ما فعل.

{ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } وهذا من أحسن التعريض، حتّى كنّى بالنعاج عن النساء.

والعرب تفعل ذلك كثيراً توري عن النساء بالظباء والشاة والبقر وهو كثير وأبين في أشعارهم.

قال الحسن بن الفضل: هذا تعريض التنبيه والتفهيم، لأنه لم يكن هناك نعاج ولابغي، وإنما هو كقول الناس ضرب زيد عمراً، وظلم عمرو زيداً، واشترى بكر داراً وما كان هناك ضرب ولاظلم ولاشراء.

{ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا }. قال ابن عبّاس: أعطنيها.

ابن جبير عنه: تحوّل لي عنها.

مجاهد: أنزل لي عنها.

أبو العالية: ضمها إليَّ حتّى أكفلها.

ابن كيسان: اجعلها كفلي، أي نصيبي.

{ وَعَزَّنِي } وغلبني { فِي ٱلْخِطَابِ }.

قال الضحاك: إن تكلم كان أفصح مني، وإن حارب كان أبطش مني.

وقرأ عبيد بن عمير: وعازني في الخطاب بالألف من المعاز وهي المغالبة.

فقال داود: { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } فإن قيل: كيف جاز لداود أن يحكم وهو لم يسمع كلام الخصم الآخر؟

قيل: معنى الآية أن أحدهما لمّا ادّعى على الآخر عرّف له صاحبه، فعند اعترافه فصل القضية بقوله: (لقد ظلمك) فحذف الاعتراف، لأن ظاهر الآية دال عليه، كقول العرب: أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال.

وقال الشاعر:
تقول ابنتي لما رأتني شاحباً   كأنك سعيد يحميك الطعام طبيب
تتابع أحداث تخر من إخوتي   فشيّبن رأسي والخطوب تشيب
{ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ } الشركاء { لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } فليسوا كذلك { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } ودليل ماذكرنا من التأويل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9