الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } * { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ }

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } أي ما بين أيديكم من الآخرة فاعملوا لها { وَمَا خَلْفَكُمْ } من أمر الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها. قاله ابن عباس، وقال مجاهد: { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ }: ما يأتي من الذنوب، { وَمَا خَلْفَكُم }: ما مضى من الذنوب.

الحسن. { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } يعني وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأُمم { وَمَا خَلْفَكُم } من أمر الساعة.

مقاتل: { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } عذاب الأُمم الخالية، { وَمَا خَلْفَكُم }: عذابُ الآخرة.

{ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، والجواب محذوف تقديره: إذا قيل لهم هذا، أعرضوا، دليله ما بعده: { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنُطْعِمُ }: الرزق { مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } يتوهمون أنّ الله تعالى لما كان قادراً على إطعامه وليس يِشاء إطعامه، فنحن أحق بذلك. نزلت في مشركي مكة حين قال لهم فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله، وذلك قوله:وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } [الأنعام: 136] فحرموهم، وقالوا: لو شاء الله أطعمكم فلا نُعطيكم شيئاً حتى ترجعوا إلى ديننا.

{ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } في اتباعكم محمداً ومخالفكتم ديننا. عن مقاتل بن حيان، وقال غيره: هو من قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم.

{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنا نُبعث؟ فقال الله تعالى: { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } وهي نفخة إسرافيل { تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي يختصمون ويُخاصم بعضهم بعضاً.

واختلفت القراء فيه؛ فقرأ ابن كثير وورش وأبو عبيد وأبو حاتم بفتح الخاء وتشديد الصاد ومثله روى هشام عن أهل الشام: لما أدغموا نقلوا حركة التاء إلى الخاء.

وقرأ أبو جعفر وأيوب ونافع غير ورش ساكنة الخاء مخففة الصاد، وقرأ أبو عمرو: بالإخفاء، وقرأ حمزة: ساكنة الخاء مخففة الصاد، أي يغلب بعضهم بعضاً بالخصام، وهي قراءة أُبي بن كعب، وقرأ الباقون: بكسر الخاء وتشديد الصاد. { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً }: فلا يقدرون على أنْ يوصي بعضهم بعضاً، { وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ * وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } وهي النفخة الأخيرة: نفخة البعث، وبين النفختين أربعون سنة، { فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ } أي القبور، واحدها جدث { إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } يخرجون، ومنه قيل للولد: نسلاً؛ لأنه يخرج من بطن أُمّه، والنسلان والعسلان: الإسراع في السير.

{ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } أي منامنا قال أُبي بن كعب وابن عباس وقتادة: إنما يقولون هذا؛ لأن الله رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين فيرقدون، وقال أهل المعاني: إنّ الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار ماعذبوا في القبور في جنبها كالنوم، فقالوا: { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا }؟ ثم قال: { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ }: أقرّوا حين لم ينفعهم الإقرار، وقال مجاهد: يقول الكفار: { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا }؟ ويقول المؤمنون: { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ }.

السابقالتالي
2 3