قوله عز وجل: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً } عامة { لِّلنَّاسِ } كلهم؛ العرب والعجم وسائر الأُمم. أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر قال: حدثنا علي بن حرب قال: حدثنا ابن فضيل قال: حدثنا (يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ومقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعطيتُ خمساً ولا أقول فخراً: بُعثت إلى الأحمر والأسود،وجُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأُحل لي المغنم ولم يحل لأحد كان قبلي، ونُصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر وأُعطيت الشفاعة فادّخرتها لأُمتي يوم القيامة، وهي إن شاء الله نائلة من لم يشرك بالله شيئاً ". وقيل: معناه كافّ للناس. يكفّهم عما هم عليه من الكفر، ويدعوهم إلى الإسلام، والهاء فيه للمبالغة. { بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب، ثم أخبر حالهم في مآلهم، فقال: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ }: الكافرون { مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } يتلاومون ويحاور بعضهم بعضاً { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي مكركم بنا. فهما كما يُقال: عزم الأمر وفلان نهاره صائم وليله قائم. قال الشاعر:
ونمت وما ليل المطي بنائم
وقيل: مكر الليل والنهار بهم طول السلامة فيهما كقوله: { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } ، ونحوه. { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ }: أظهروا { ٱلنَّدَامَةَ } ، وهو من الأضداد؛ يكون بمعنى الإخفاء، والإبداء { لَمَّا رَأَوُاْ ٱْلَعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ }: الجوامع من النار { فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا }: الأتباع والمتبوعين، { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا؟ { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ }: رسول { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ }: رؤساؤها وأغنياؤها { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } منكم، ولو لم يكن راضياً بما نحن عليه من الدين والعمل لم يخوّلنا الأموال والأولاد. { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } ، وليس يدل ذلك على العواقب والمنقلب، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أنها كذلك. { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ }: لكن من آمن { وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } من الثواب بالواحد عشرة، و { من } يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون محله نصباً بوقوع { تقرب } عليه، والآخر: رفع تقديره: وما هو إلاّ من آمن.