الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم بفتح القاف. غيرهم بالكسر، فَمَن فتح القاف فمعناه واقررن، أي الْزَمن بيوتكنّ، من قولك قررتُ في المكان، أقرّ قراراً. وقررتُ أقرُّ لغتان فحذفت الراء الأُولى التي هي عين الفعل ونقلت حركتها إلى القاف فانفتحت كقولهم في ظللت وظلْت.

قال الله تعالى:فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } [الواقعة: 65]ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [طه: 97] والأصل ظللت فحذفت إحدى اللاّمين، ودليل هذا التأويل قراءة ابن أبي عبلة واقررن بفتح الراء على الأصل في لغة من يقول: قررت أقرّ قراراً.

وقال أبو عبيدة: وكان أشياخنا من أهل العربية ينكرون هذه القراءة وهي جائزة عندنا مثل قوله:فَظَلْتُمْ } [الواقعة: 65] ومن كسر القاف فهو أمر من الوقار كقولك من الوعد: عِدن ومن الوصل صِلن، أي كنَّ أهل وقار أي هدوء وسكون وتؤدة من قولهم: وقر فلان يقر وقوراً إذا سكن واطمأن.

أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري قال: أخبرني أبو بكر بن مالك، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدّثني أبي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش عن أبي الضحى قال: حدّثني من سمع عائشة تقرأ { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } فتبكي حتّى تبلّ خمارها.

أخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن خالد، عن داود بن سليمان، عن عبد الله بن حميد، عن يزيد بن هارون، عن هشام، عن محمد قال: نُبئت أنَّه قيل لسودة زوج النبي (عليه السلام): مالكِ لا تحجّين ولا تعتمرين كما يفعلنَّ أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله تعالى أنْ أقرَّ في بيتي، فوالله لا أخرج من بيتي حتّى أموت.

قال: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها. قوله: { وَلاَ تَبَرَّجْنَ }

قال مجاهد وقتادة: التبرّج التبختر التكبّر والتغنّج وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال { تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } واختلفوا فيها. قال الشعبي: هي ما بين عيسى ومحمّد (عليهما السلام). أبو العالية: هي زمن داود وسليمان وكانت المرأة تلبس قميصاً من الدرّ غير مخيط الجانبين فيرى خلفها فيه.

الكلبي: الجاهلية التي هي الزمان الذي فيه ولد إبراهيم (عليه السلام)، وكانت المرأة من أهل ذلك الزمان تتّخذ الدّرع من اللؤلؤ فتلبسه ثمّ تمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره، وتعرض نفسها على الرجال، وكان ذلك في زمان نمرود الجبّار، والناس حينئذ كلّهم كفّار. الحكم: هي ما بين آدم ونوح ثمانمائة سنة، وكان نساؤهم أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان. فكانت المرأة تريد الرجل على نفسها.

وروى عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قرأ هذه الآية فقال: إنّ الجاهلية الأُولى فيما بين نوح وإدريس (عليهما السلام)، وكانت ألف سنة، وإنّ بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صِباحاً وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صِباحاً وفي الرجال دمامة، وإنّ إبليس أتى رجلاً من أهل السهل في صورة غلام، فآجَرَ نفسه منه، فكان يخدمه، واتّخذ إبليس شيئاً مثل الذي يزمر فيه الرّعاء، فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك مَن حولهم، فانتابوه يستمعون إليه، واتّخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة، فتتبرّج النساء للرجال وتتزيّن الرجال لهنّ، وإنّ رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم، وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحوّلوا إليهم فنزلوا معهم، فظهرت الفاحشة فيهنّ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10