الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ }: لفظه استفهام ومعناه جحد، أي لا يهدي الله.

قال الشاعر:
كيف نومي على الفراش ولمّا   تشمل الشام غارة شعواء
أي لا نوم لي، نظير قوله:كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ } [التوبة: 7]: أي لا يكون لهم عهد، وقيل: معناه كيف يستحقون العبادة؟ وقيل: معناه كيف يهديهم الله للمغفرة إلى الجنّة والثواب؟

وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [التوبة: 19] أي لا يرشدهم ولا يوفقهم، وهو خاص فيمن علم الله عز وجل منهم، وأراد ذلك منهم، وقيل: معناه: لا يثيبهم ولا ينجيهم [إلى الجنة]. { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ... } [آل عمران: 87] إلى قوله: { إِلا الَّذِينَ تَابُوا } وذلك أنّ الحرث بن سويد لما لحق بالكفار ندم، فأرسل إلى قومه أن اسألوا رسول الله هل له من توبة؟ ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران: 89] لما كان، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه، فقال الحرث: إنّك والله ما علمت لصدوق، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك، وأنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة، فرجع الحرث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه.

وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه ولحق بالروم فتنصّر، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآيات: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً... }.

قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية في اليهود، كفروا بعيسى (عليه السلام) والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم وكتبهم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.

أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لما رأوه وعرفوه بعد إيمانهم بنعته وصفته في كتبهم، ثم ازدادوا ذنوباً في حال كفرهم. مجاهد: نزلت في الكفار كلهم، أشركوا بعد إقرارهم بأنّ الله خالقهم، ثم ازدادوا كفراً أي أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه. الحسن: كلّما نزلت عليم آية كفروا بها فازدادوا كفراً. قطرب: كما ازدادوا كفراً بقولهم نتربص بمحمد ريب المنون.

الكلبي: نزلت في أحد عشر أصحاب الحرث بن سويد، لما رجع الحرث قالوا: نقيم بمكة على الكفر ما بدا لنا، فمتى ما أردنا الرجعة رجعنا، فينزل فينا ما نزل في الحرث، فلمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل في الإسلام من دخل منهم فقبلتْ توبته، فنزل فيمن مات منهم كافراً { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } الآية، فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } وقد سبقت حكمة الله تعالى في قبول توبة من تاب؟ قلنا: اختلف العلماء فيه، فقال بعضهم: لن يقبل توبتهم عند الغرغرة والحشرجة.

السابقالتالي
2 3 4