{ ذٰلِكَ }: الذي ذكرت من حديث زكريا ومن حديث يحيى ومريم وعيسى، { مِنْ أَنَبَآءِ }: أخبار، { ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ }: ردّ الكناية إلى ذلك فلذلك ذكر. { وَمَا كُنتَ }: يا محمد، { لَدَيْهِمْ }: عندهم، { إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ } سهامهم وقداحهم للاقتراع في الماء واحدها: قلم، وقيل: [أقلامهم التي كانوا يكتبون بها] التوراة فألقوا أقلامهم التي كانت بأيديهم في الماء. { أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ }: [....]. { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }: في كفالتها. { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ } وقرأ أبو السماك وهب بن يزيد العدوي: (بكلمة) مكسورة الكاف مجزومة اللام في جميع القرآن، وهي لغة فصيحة مثل كتف وفخذ. { ٱسْمُهُ }: رد كناية إلى عيسى وكذلك ذكر. وقيل: رده إلى الكلام؛ لأن الكلمة والكلام واحد. { ٱلْمَسِيحُ }: قال بعضهم: هو فعيل بمعنى المفعول يعني: أنهُ مُسِح من الأقذار وطهر. وقيل: مُسح بالبركة. وقيل: لأنه خرج من بطن أُمه ممسوحاً بالدهن. وقيل: لأنه مسح القدمين لا أخمص له. وقيل: مسحه جبرئيل بجناحهِ من الشيطان حتى لم يكن للشيطان فيه سبيل في وقت ولادته. وقال بعضهم: هو بمعنى الفاعل مثل عليم وعالم، وسمي ذلك لأنهُ كان يمسح المرضى فيبرأون بإذن الله. قال الكلبي: سمي بذلك لأنه كان يمسح عين الأعمى فيبصره. وقيل: سمي بذلك لأنه كان يسيح في الأرض يخوضها ولا يقيم في مكان، وعلى هذا القول الميم فيه زائدة. وقال أبو عمرو بن العلاء: المسيح الملك. وقال أبو تميم النخعي: المسيح الصديق، فإما هو المِسّيح بكسر الميم وتشديد السين، وقال غيره: هذا قول لا وجه له؛ بل الدجال مسيح أيضاً فعيل بمعنى مفعول لأنه ممسوح إحدى العينين كأنها عين طافية، ويكون بمعنى [السائح] لأنه يسيح في الأرض فيطوف الأرض كلها إلاَّ مكة والمدينة وبيت المقدس. قال الشاعر:
إنّ المسيح يقتل المسيخا
{ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً }: نصب على الحال، أي شريفاً [ذا جاه وقدر]. { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } إلى ثواب اللّه { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ } صغيراً قبل [أوان] الكلام. روى ابن أبي [نجيح] عن مجاهد قال: قالت مريم (عليها السلام): كنتُ إذا خلوت أنا وعيسى حدّثني وحدثته. فإذا شغلني عنه إنسان سبّح في بطني وأنا أسمع. { وَكَهْلاً }: قال مقاتل: يعني إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء. وقال الحسن بن الفضل: (كهلاً) بعد نزوله من السماء. وقال ابن كيسان: أخبرهما أنّهُ يبقى حتّى يكتهل. وقيل: { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ }: صبيّاً وكهلاً نبيّاً [ولم يتكلّم في المهد من الأنبياء] إلاّ عيسى (عليه السلام)، فكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة. وقال مجاهد: { وَكَهْلاً } أي عظيماً والعرب تمدح بالكهولة لأنّها أعظم؟ على في احتناك السنّ، واستحكام العقل، وجودة الرأي والتجربة.