الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } * { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } * { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } * { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } * { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }

{ ذٰلِكَ }: الذي ذكرت من حديث زكريا ومن حديث يحيى ومريم وعيسى، { مِنْ أَنَبَآءِ }: أخبار، { ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ }: ردّ الكناية إلى ذلك فلذلك ذكر. { وَمَا كُنتَ }: يا محمد، { لَدَيْهِمْ }: عندهم، { إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ } سهامهم وقداحهم للاقتراع في الماء واحدها: قلم، وقيل: [أقلامهم التي كانوا يكتبون بها] التوراة فألقوا أقلامهم التي كانت بأيديهم في الماء.

{ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ }: [....].

{ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }: في كفالتها.

{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ } وقرأ أبو السماك وهب بن يزيد العدوي: (بكلمة) مكسورة الكاف مجزومة اللام في جميع القرآن، وهي لغة فصيحة مثل كتف وفخذ.

{ ٱسْمُهُ }: رد كناية إلى عيسى وكذلك ذكر. وقيل: رده إلى الكلام؛ لأن الكلمة والكلام واحد.

{ ٱلْمَسِيحُ }: قال بعضهم: هو فعيل بمعنى المفعول يعني: أنهُ مُسِح من الأقذار وطهر.

وقيل: مُسح بالبركة.

وقيل: لأنه خرج من بطن أُمه ممسوحاً بالدهن.

وقيل: لأنه مسح القدمين لا أخمص له.

وقيل: مسحه جبرئيل بجناحهِ من الشيطان حتى لم يكن للشيطان فيه سبيل في وقت ولادته.

وقال بعضهم: هو بمعنى الفاعل مثل عليم وعالم، وسمي ذلك لأنهُ كان يمسح المرضى فيبرأون بإذن الله.

قال الكلبي: سمي بذلك لأنه كان يمسح عين الأعمى فيبصره.

وقيل: سمي بذلك لأنه كان يسيح في الأرض يخوضها ولا يقيم في مكان، وعلى هذا القول الميم فيه زائدة.

وقال أبو عمرو بن العلاء: المسيح الملك.

وقال أبو تميم النخعي: المسيح الصديق، فإما هو المِسّيح بكسر الميم وتشديد السين، وقال غيره: هذا قول لا وجه له؛ بل الدجال مسيح أيضاً فعيل بمعنى مفعول لأنه ممسوح إحدى العينين كأنها عين طافية، ويكون بمعنى [السائح] لأنه يسيح في الأرض فيطوف الأرض كلها إلاَّ مكة والمدينة وبيت المقدس.

قال الشاعر:
إنّ المسيح يقتل المسيخا   
{ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً }: نصب على الحال، أي شريفاً [ذا جاه وقدر].

{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } إلى ثواب اللّه { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ } صغيراً قبل [أوان] الكلام.

روى ابن أبي [نجيح] عن مجاهد قال: قالت مريم (عليها السلام): كنتُ إذا خلوت أنا وعيسى حدّثني وحدثته. فإذا شغلني عنه إنسان سبّح في بطني وأنا أسمع.

{ وَكَهْلاً }: قال مقاتل: يعني إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء.

وقال الحسن بن الفضل: (كهلاً) بعد نزوله من السماء.

وقال ابن كيسان: أخبرهما أنّهُ يبقى حتّى يكتهل.

وقيل: { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ }: صبيّاً وكهلاً نبيّاً [ولم يتكلّم في المهد من الأنبياء] إلاّ عيسى (عليه السلام)، فكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة.

وقال مجاهد: { وَكَهْلاً } أي عظيماً والعرب تمدح بالكهولة لأنّها أعظم؟ على في احتناك السنّ، واستحكام العقل، وجودة الرأي والتجربة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8