الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } نزلت في مشركي العرب، وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون، فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما يرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد، فنزلت هذه الآية.

وقال الفراء: كانت اليهود تضرب في الأرض فتصيب الأموال، فأنزل الله { لاَ يَغُرَّنَّكَ }.

وقرأ يعقوب: (يغرنك) وأخواتها ساكنة النون.

وأنشد:
لا يغرنك عشاء ساكن   قد يوافي بالمنيات السحر
{ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }: ضربهم وتصرفهم في البلاد للتجارات والبياعات وأنواع المكاسب والمطالب، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره، لأنه لم يغيّر لذلك.

قال قتادة في هذه الآية: والله ما غرّوا نبي الله ولا وكّل إليهم شيئاً من أمر الله تعالى حتى قبضه الله على ذلك، نظيره قوله تعالى:
فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ   
[غافر: 4]، ثم قال: { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } أي هو متاع قليل بُلغة فانية ومتعة زائلة، لأن كل ما هو فان فهو قليل.

الأعمش عن عمارة عن يزيد بن معاوية النخعي قال: إن الدنيا جعلت قليلا فما بقى منه إلاّ القليل من قليل.

روى سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن المستورد الفهري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما الدنيا في الآخرة إلاّ مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليمّ، فلينظر بم يرجع ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " ما الدنيا فيما مضى إلاّ كمثل ثوب شق باثنين وبقي خيط إلاّ وكان ذلك الخيط قد انقطع ".

{ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ } مصيرهم { جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ * لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ }.

قرأ أبو جعفر: بتشديد النون، الباقون: بتخفيفه.

{ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً }.

قرأ الحسن والنخعي: (نزلاً) بتخفيف الزاي استثقالا لضمتين، وثقّله الآخرون، والنزل الوظيفة المقدرة لوقت.

قال الكلبي: جزاءً وثواباً من عند الله، وهو نصب على التفسير، كما يقال: هو لك صدقه وهو لك هبة، قاله الفراء.

وقيل: هو نصب على المصدر، أي انزلوا نزلا، وقيل: جعل ذلك نزلا.

{ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } من متاع الكفار.

الحسن عن أنس بن مالك قال: " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير مزمول بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عليه عمر وناس من أصحابه فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم انحرافة فرأى عمر (رضي الله عنه) أثر الشريط في جنبه فبكى، فقال له: " ما يبكيك يا عمر؟ " فقال عمر: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيها من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا عمر ألم ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة " قال: بلى. قال: " هو كذلك " ".


السابقالتالي
2 3