الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ }. قرأ الحسن وأبو جعفر: (كاين) مقصوراً بغير همزة ولا تشديد حيث وقع.

وقرأ مجاهد وابن كثير وشيبة: (وكأين) مهموزاً ممدوداً مخففاً على وزن فاعل، وهو اختيار أبي عبيد، اعتباراً بقول أُبي بن كعب لزر بن حبيش: (كاين) بعد سورة الأحزاب. فقال: كذا آية.

وقرأ ابن محيصن: (كأي) ممدوداً بغير نون.

وقرأ الباقون: (وكأيّن) مشدوداً بوزن كعَيّن، وهي لغة قريش واختيار أبي حاتم، وكلها لغات معروفة بمعنى واحد.

وأنشد المفضل:
وكائن ترى في الحي من ذي صداقة   و غيران يدعو ويله من حذاريا
وقال في التشديد:
كأين من أناس لم يزالوا   أخوهم فوقهم وهم كرام
وجمع الآخر بين اللغتين، فقال:
كأين أبدنا من عدوّ يغزنا   وكأين أجرنا من ضعيف وخائف
ومعناه كم، وهي كاف التشبيه ضمت إلى أي الاستفهام، ولم يقع التنوين صورة في الخط إلاّ في هذا الحرف خاصة.

{ قُتل }. قرأ قتادة وابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (قتل): وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي حاتم.

وقرأ الآخرون: (قاتل)، وهي قراءة ابن مسعود واختيار أبي عبيد، فمن قرأ (قاتل) فلقوله: { فَمَا وَهَنُواْ } ويستحيل وصفهم بأنهم لم يُهنوا بعدما قُتلوا، ولقول سعيد بن جبير: ما سمعنا أن نبياً قط قُتل في القتال.

وقال أبو عبيد: إن الله تعالى إذا حمد من قاتل كان من قُتل داخلا فيه، وإذا حمد من قُتل خاصة لم يدخل فيه غيرهم، فقاتل أعم.

ومن قرأ (قتل) فله ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون القتل واقعاً على النبي وحده، وحينئذ يكون تمام الكلام عند قراءة (قتل) فيكون في الآية اضمار معناه ومعه { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } كما يقال: قتل الأمير معه جيش عظيم، أي ومعه، ويقول: خرجت معي تجارة، أي ومعي.

والوجه الثاني: أن يكون القتل نال النبي ومعه من الربيين، ويكون وجه الكلام: قتل بعض من كان معه، تقول العرب: قتلنا بني تميم وبني فلان، وإنما قتلوا بعضهم ويكون قوله: { فَمَا وَهَنُواْ } راجعاً إلى الباقين الذين لم يقتلوا.

والوجه الثالث: أن يكون القتل للربيين لا غير.

{ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } ، قرأ ابن مسعود وأبو رجاء والحسن وعكرمة: (رُبيون) بضم الراء، وهي لغة بني تميم.

الباقون: بالكسر، وهي اللغة الفاشية [العالية].

والربيون جمع الربّية وهي الفرقة، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع.

السدي: جموع كثير.

قال حسان:
وإذا معشر تجافوا عن الحق   حملنا عليهم رُبيا
ابن مسعود: الربيون الألوف، الضحاك: الربية الواحدة ألف، الكلبي: الربية الواحدة عشر ألف، الحسن: فقهاً علماً صبراً، ابن زيد: هم الأتباع، والرابيون: هم الولاة، والربيون: الرعية، وقال بعضهم: هم الذين يعبدون الرب، والعرب تنسب الشيء إلى الشيء فيغير حركته كما يقول بصريٌّ منسوب إلى بصرة، فكذلك ربيّون منسوب إلى الربّ، وقال بعضهم: مطيعون منيبون إلى الله فما وهنوا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6