الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } * { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ } يعني: الأصنام يرجون نصرها ونفعها عند حاجتهم إليها { كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } لنفسها كيما يكنّها فلم يغن عنها بناؤها شيئاً عند حاجتها إياه، فكما أنّ بيت العنكبوت لا يدفع عنها برداً ولا حراً كذلك هذه الأوثان لا تملك لعابديها نفعاً ولا ضراً ولا خيراً ولا شراً.

{ وَإِنَّ أَوْهَنَ } أضعف { ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } قال النحاة: العنكبوت مؤنثة التاء التي فيها، وقد يذكّرها بعض العرب، أنشد الفراء:
على هطالهم منهم بيوت   كأنّ العنكبوت هو ابتناها
وزنته فعللون.

أخبرني ابن فنجويه، قال: حدثنا ابن شنبه، قال: حدثنا أبو حامد المستملي، قال: حدثنا محمد بن عمران الضبي، قال: حدثني محمد بن سليمان المكي، قال: حدثني عبد الله بن ميمون القداح، قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي يقول: قال علي بن أبي طالب: طهّروا بيوتكم من نسيج العنكبوت، فإنّ تركه في البيوت يورث الفقر، قال: سمعت علياً يقول: منع الخميرة يورث الفقر.

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ } بالياء أهل البصرة واختاره أبو عبيد قال: لذكر الأمم قبلها. واختلف فيها عن عاصم، غيرهم بالتاء.

{ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ } الأشياء والأوصاف، والمثل: قول سائر يشبّه حال الثاني بالأول { نَضْرِبُهَا } يبيّنها { لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ }. أخبرني ابن فنجويه، قال: حدثنا ابن مندة قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا داود بن المخبر قال: حدثنا عباد بن كثير، عن أبي جريج، عن عطاء وأبي الزبير، عن جابر أنّ " النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } فقال: " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " ".

{ خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ * ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } قال ابن عمر: تغني. الفراء: أن تنهي عن الفحشاء والمنكر ودليل هذا التأويل قوله:وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } [الإسراء: 110] أي بقراءتك. وقال آخرون: هي الصلاة التي فيها الركوع والسجود.

قال ابن مسعود وابن عباس: يقول: في الصلاة: منتهى ومزدجر عن معاصي الله سبحانه وتعالى، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلاّ بعداً. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وإطاعة الصلاة أن تنهي عن الفحشاء والمنكر ".

وروى أبو سفيان عن جابر قال: " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل، فقال: " إنّ صلاته لتردعه " ".


السابقالتالي
2 3 4