الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ }

{ الۤـمۤ * أَحَسِبَ } أظن وأصله من الحساب { ٱلنَّاسُ } يعني الذين جزعوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين { أَن يُتْرَكُوۤاْ } بغير اختبار ولا ابتلاء بأن قالوا: { آمَنَّا } كلا لنختبرنهم لنتبين الصادق من الكاذب، (إن) الأولى منصوبة بـ { أَحَسِبَت } والثانية خفض بنزع الخافض، أي لأن يقولوا، والعرب لا تقول: تركت فلاناً أن يذهب، إنّما تقول: تركته يذهب، معه جوابان: أحدهما يشتركوا لأن يقولوا، والثاني: على التكرير تقديره: { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ } أحسبوا { أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } لا يبتلون ليظهر المخلص من المنافق، وقيل: { يُفْتَنُونَ } يصابون بشدائد الدنيا، يعني: أنّ البلاء لا يدفع عنهم في الدنيا لقولهم: { آمَنَّا }.

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فقال ابن جريج وابن عمير: نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذّب في الله.

وقال الشعبي: نزلت هاتان الآيتان في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إنّه لا يقبل منكم إقرار بإسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عائدين إلى المدينة، فاتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم إنّه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه. فخرجوا، فاتبعهم المشركون، فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله سبحانه فيهم هاتين الآيتين، وقال مقاتل: نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل يوم بدر رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يومئذ سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة " ، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله سبحانه فيهم هذه الآية وأخبر أنّه لابد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى، وقيل: { وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } بالأوامر والنواهي.

ثم عزّاهم، فقال عز من قائل: { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } والله تعالى عالم بهم قبل الإختبار، وعلمه قديم تام، وإنّما معنى ذلك: فليظهرنّ الله تعالى ذلك حتّى يوجد معلومة.

قال مقاتل: فليرين الله، الأخفش: فليميزنّ الله.

وقال القتيبي: علم الله سبحانه نوعان: أحدهما: علم شيء كان يعلم إنّه كان، والثاني: علم شيء يكون، فعلم إنّه يكون وقت كذا ولا يعلمه كائناً واقعاً إلاّ بعد كونه ووقوعه، بيانه قوله سبحانه:وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ } [محمد: 31] أي نعلم المجاهدين منكم مجاهدين ونعلم الصابرين صابرين، فكذلك هاهنا فليعلمنّ الله ذاك موجوداً كائناً وهذا سبيل علم الله في الإستقبال.

{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } الشرك { أَن يَسْبِقُونَا } يعجزونا ويقولوا ما بأنفسهم فلا يقدر على الإنتقام منهم { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي ساء حكمهم الذي يحكمون { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ ٱللَّهِ } قال ابن عباس ومقاتل: من كان يخشى البعث.

السابقالتالي
2 3