الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } * { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } * { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } * { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } * { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } * { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } * { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } * { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ }

{ وَإِذْ نَادَىٰ } واذكر يا محمد إذ نادى { رَبُّكَ مُوسَىٰ } حين رأى الشجرة والنار { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } لأنفسهم بالكفر والمعصية ولبني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب.

{ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } وقرأ عبيد بن عمير بالتاء أي قل لهما: ألا تتّقون؟ { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي } من تكذيبهم إيّاي { وَلاَ يَنطَلِقُ } ولا ينبعث { لِسَانِي } بالكلام والتبليغ للعقدة التي فيه، قراءة العامة برفع القافين على قوله { فَأَخَافُ } ونصبها يعقوب على معنى وأن يضيق ولا ينطلق { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة، وهذا كما تقول: إذا نزلت بي نازلة أرسلت إليك، أي لتعينني { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } يعني القتل الذي قتله منهم واسمه ماثون، وكان خباز فرعون، وقيل: على معنى: عندي ولهم عندي ذنب { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } به { قَالَ } الله سبحانه { كَلاَّ } أي لن يقتلوك { كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } سامعون ما يقولون وما تجابون، وإنّما أراد بذلك تقوية قلبيهما وإخبارهما أنّه يعينهما ويحفظهما { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ولم يقل رسولا لأنه أراد المصدر أي رسالة ومجازه: ذو رسالة رب العالمين، كقول كثيّر:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم   بسرَ ولا أرسلتهم برسول
أي برسالة. وقال العباس بن مرداس:
إلاّ مَنْ مبلغٌ عنّا خفافاً   رسولا بيت أهلك منتهاها
يعني رسالة فلذلك انتهاء، قالهُ الفرّاء.

وقال أبو عبيد: يجوز أن يكون الرسول في معنى الواحد والاثنين والجمع، تقول العرب: هذا رسولي ووكيلي، وهذان رسولي ووكيلي، وهؤلاء رسولي ووكيلي، ومنه قوله { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } [الشعراء: 77]وقيل: معناه كل واحد منا رسول رَبّ العالمين.

{ أَنْ } أي بأن { أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } إلى فلسطين ولا تستعبدهم وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفاً فانطلق موسى إلى مصر، وهارون بها وأخبره بذلك فانطلقا جميعاً الى فرعون، فلم يؤذَنْ لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البوّاب فقال لفرعون: ههنا إنسان يزعم أنّه رسول رب العالمين، فقال فرعون: ايذن له لعلّنا نضحك منه، فدخلا عليه وأدّيا إليه رسالة الله سبحانه وتعالى فعرف فرعون موسى لأنّه نشأ في بيته فقال له { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } صبيّاً { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } وهي ثلاثون سنة { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } يعني قتل القبطي.

أخبرنا ابن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني موسى الأنصاري عن السري بن إسماعيل عن الشعبي انه قرأ { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي } بكسر الفاء ولم يقرأ بها غيره.

{ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي، ربيناك فينا وليداً فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منّا وكفرت بنعمتنا، وهذه رواية العوفي عن ابن عباس، وقال: إنَّ فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية.

السابقالتالي
2 3