{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي خلطهما وحلّى وأفاض أحدهما في الآخر، وأصل المرج: الخلط والإرسال، ومنه قوله سبحانه{ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ق: 5] وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عمر: " كيف بك يا عبد الله إذا كنت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا هكذا " وشبّك بين أصابعه، ويقال: مرجتُ دابّتي مرجها إذا أرسلتُها في المرعى وخلّيتها تذهب حيث شاءت، ومنه قيل للروضة مرج، قال العجاج:
رعى بها مرج ربيع ممّرجاً
قال ابن عباس والضحاك ومقاتل: مرج البحرين أي خلع أحدهما على الآخر { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } شديد العذوبة { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } شديد الملوحة { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً } حاجزاً بقدرته وحكمته لئلاّ يختلطا { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } ستراً ممنوعاً يمنعهما فلا يبغيان ولا يفسد الملح العذب. { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } قال علىّ بن أبي طالب: النسب ما لا يحلّ نكاحه، والصهر ما يحلّ نكاحه، وقال الضحّاك وقتادة ومقاتل: النسب سبعة والصهر خمسة، وقرأوا هذه الآية{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } [النساء: 23] الى آخرها. أخبرني أبو عبد الله (القسايني) قال: أخبرنا أبو الحسن النصيبي القاضي قال: أخبرنا أبو بكر السبيعي الحلبي قال: حدّثنا علي بن العباس المقانعي قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا محمد بن عمرو قال: حدّثنا حسين الأشقر قال: حدّثنا أبو قتيبة التيمي قال: سمعت ابن سيرين يقول في قول الله سبحانه وتعالى { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب، زوج فاطمة عليّاً وهو ابن عمّه وزوج ابنته فكان نسباً وصهراً. { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً * وَيَعْبُدُونَ } يعني هؤلاء المشركين { مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ } إن عبدوه { وَلاَ يَضُرُّهُمْ } إن تركوه { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } أي معيناً للشيطان على ربّه، وقيل: معناه وكان الكافر على ربّه هيّناً ذليلاً من قول العرب: ظهرت به إذا جعلته خلف ظهرك فلم تتلفّت إليه. { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً * قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } على تبليغ الوحي { مِنْ أَجْرٍ } فيقولون: إنّما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتّبعه كيلا نعطيه من أموالنا شيئاً { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً }. قال أهل المعاني: هذا أمر الاستثناء المنقطع، مجازه لكن من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا بإنفاقه ماله في سبيله، { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أي اعبده وصلّ له شكراً منك له على نعمه، وقيل: احمده منزّهاً له عمّا لا يجوز في وصفه، وقيل: قل: سبحان الله والحمد لله { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } فيجازيهم بها { ٱلَّذِي } في محل الخفض على نعت الحي { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } فقال بينهما وقد جمع السموات لأنه أراد الصنفين والشيئين كقول القطامي: