الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } * { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } * { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } * { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } * { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً }

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } أي معيناً وظهيراً { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } يعني القبط، وفي الآية متروك استغنى عنه بدلالة الكلام عليه تقديرها: فكذّبوهما.

{ فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } فأهلكناهم إهلاكاً { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً } عبرة { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } في الآخرة { عَذَاباً أَلِيماً } سوى ما حلّ بهم من عاجل العذاب.

{ وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ } اختلفوا فيهم، فقال ابن عباس: كانوا أصحاب آبار، وقال وهب بن منبه: كانوا أهل بئر قعوداً عليها وأصحاب مواشي، وكانوا يعبدون الأصنام فوجّه الله إليهم شعيباً يدعوهم الى الإسلام فأتاهم ودعاهم، فتمادوا في طغيانهم وفي أذى شعيب فحذّرهم الله عقابه، فبينا هم حول البئر في منازلهم انهارت البئر فانخسفت بهم وبديارهم ورباعهم فهلكوا جميعاً.

قتادة: الرس: قرية بفلج اليمامة قتلوا نبيّهم فأهلكهم الله، وقال بعضهم: هم بقية هود قوم صالح، وهم أصحاب البئر التي ذكرها الله سبحانه في قوله تعالى { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ }.

قال سعيد بن جبير وابن الكلبي والخليل: كان لهم نبيّ يقال له حنظلة بن صفوان، وكان بأرضهم جبل يقال له فتح، مصعده في السماء ميل، وكانت العنقاء تنتابه وهي أعظم ما تكون من الطير وفيها من كل لون، وسمّوها العنقاء لطول عنقها، وكانت تكون في ذلك الجبل تنقضّ على الطير أكلها، فجاعت ذات يوم فأعوزتها الطير فانقضّت على صبي فذهبت، فسُمّيت عنقاء مغرب لأنها تغرب بما تأخذه وتذهب به، ثم إنّها انقضّت على جارية حين ترعرعت فأخذتها فضمّتها إلى جناحين لها صغيرين سوى الجناحين الكبيرين، فطارت بها فشكو الى نبيّهم فقال: اللهم خذها واقطع نسلها، فأصابتها صاعقة فاحترقت فلم ير لها أثر، فضربتها العرب في أشعارهم، ثم إنهم قتلوا نبيّهم فأهلكهم الله.

وقال كعب ومقاتل والسدي: هم أصحاب يس، والرسّ بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النّجار، فنسبوا لها وهم الرسّ، ذكرهم الله سبحانه في سورة يس، وقيل: هم أصحاب الأُخدود والرسّ هو الأُخدود الذي حفروه، وقال عكرمة: هم قوم رسّوا نبيهم في بئر، دليله ما روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة لعبد أسود وذلك أن الله سبحانه بعث نبيّاً إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها أحد إلاّ ذلك الأسود، ثمّ إنّ أهل القرية عدوا على ذلك النبي فحفروا له بئراً فألقوه فيها، ثم أُطبق عليه بحجر ضخم، وكان ذلك العبد الأسود يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه فيشري به طعاماً وشراباً، ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة يعينه الله عليها فيدلي إليه طعامه وشرابه ثم يردّها كما كانت.

قال: وكان كذلك ما شاء الله أن يكون ثم إنّه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها، فلمّا أراد أن يحتملها وجد سِنة فاضطجع فنام فضرب اللّه على أُذنه سبع سنين، ثم إنه هبّ فتمطّى فتحوّل لشقّه الآخر فاضطجع، فضرب الله على أُذنه سبع سنين أُخرى، ثم إنّه هبّ فاحتمل حزمته ولا يحسَبُ إلاّ أنه نام ساعة من نهار، فجاء الى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع، ثم ذهب الى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه فيه بداء فاستخرجوه فآمنوا به وصدّقوه.

قال: وكان النبي يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون له: ماندري، حتى قبض الله ذلك النبي فأهب الله الاسود من نومته بعد ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ ذلك الاسود لأول من يدخل الجنة ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7