الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } * { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } * { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

ثمَّ ضرب لأعمال الكافرين مثلا فقال عزَّ من قائل { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ } وهو الشعاع الذي تراه نصف النهار في البراري عند شدّة الحرّ كأنّه ماء فإذا قرب منه الإنسان انفشّ فلم ير شيئاً، وسمّي سراباً لأنّه ينسرب أي يجري كالماء.

{ بِقِيعَةٍ } وهو جمع القاع مثل جار وجيرة، والقاع: المنبسط الواسع من الأرض وفيه يكون السراب.

{ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ } يظنّه العطشان { مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ } يعني ما قدّر أنّه ماء فلم يجده على ما قدّر، وقيل: معناه جاء موضع السراب فاكتفى بذكر السراب عن موضعه، كذلك الكافر يحسب أنّ عمله مغنى عنه أو نافعه شيئاً فإذا أتاه الموت واحتاج إلى عمله لم يجد عمله أغنى عنه شيئاً ولا نفعه { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ } أي وجد الله بالمرصاد عند ذلك { فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ } جزاء عمله، { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ }.

وهذا مثل آخر ضربه اللّه تعالى لأعمال الكفّار أيضاً يقول: مثل أعمالهم في خطائها وفسادها، وضلالتهم وجهالتهم وحيرتهم فيها كظلمات { فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } وهو العميق الكثير الماء وذلك أشدّ ظلمة، ولجّة البحر: معظمه { يَغْشَاهُ } يعلوه { مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } متراكم { مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } قرأ ابن كثير برواية النبّال والفلنجي سُحاب بالرفع والتنوين، ظلمات بالجرّ على البدل من قوله أو كظلمات. روى البّزي عنه، سحاب، ظلمات بالاضافة وقرأ الآخرون: سحاب، ظلمات كلاهما بالرفع والتنوين، وتمام الكلام عند قوله { سَحَابٌ }.

ثمَّ ابتدأ فقال { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر.

قال المفسّرون: أراد بالظلمات أعمال الكافر، وبالبحر اللجّي قلبه، وبالموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة، وبالسحاب الرَّين والختم والطبع على قلبه.

قال أُبي بن كعب في هذه الآية: الكافر ينقلب في خمس من الظلم: فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة ومدخله، ظلمة ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار.

{ إِذَآ أَخْرَجَ } يعني الناظر { يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } أي لم يقرب من أن يراها من شدة الظلمات.

وقال الفرّاء: كادَ صلة أي لم يرها كما تقول: ما كدت أعرفه، وقال المبرّد: يعني لم يرها إلاّ بعد الجهد كما يقول القائل: ما كدت أراك من الظلمة وقد رآه ولكن بعد يأس وشدّة، وقيل: معناه قرب من الرؤية ولم يُرَ، كما يقال: كاد العروس يكون أميراً، وكاد النعام يطير.

{ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } يعني مَن لم يهده الله فلا إيمان له.

قال مقاتل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أُميّة، كان يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح ثم كفر في الإسلام.

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن إبراهيم العدل قال: حدّثنا أبو الحسين محمد بن منصور الواعظ قال: حدّثنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد قال: حدّثنا محمد ابن يونس الكديمي قال: حدّثنا عبيد الله بن عائشة قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2