الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } * { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.

قال ابن عباس: الله هادي أهل السموات والأرض لا هادي فيهما غيره، فهم بنوره الى الحقّ يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة ينجون وليس يهتدي ملك مقرّب ولا نبىّ مرسل إلاّ بهدى منه.

الضحّاك والقرظي: منوّر السموات والأرض.

مجاهد: مدبر الأُمور في السموات والأرض.

أُبي بن كعب وأبو العالية والحسن: مزيّن السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزيّن الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين.

وقال بعضهم: يعني الأنوار كلّها منه كما يقال: فلان رحمة وسخطة وهو لا يكون في نفسه رحمة ولا سخطة وإنما يكون منه الرحمة والسخطة.

وقال بعض أهل المعاني: أصل النور هو التبرئة والتصفية، يقال: امرأة نوار نساء نوار إذا كنّ متعرّيات من الريبة والفحشاء، قال الشاعر:
نوارُ في صواحبها نوارُ   كما فاجاك سربٌ أو صوارُ
فمعنى النور هو المنزّه من كل عيب.

وقال بعض العلماء: النور على أربعة أوجه: نور متلألئ، ونور متولّد، ونور من جهة صفاء اللون، ونور من جهة المدح، فالنور المتلألئ مثل قرص الشمس القمر والكواكب وشعلة السراج، والمتولد هو الذي يتولد من شعاع الشمس القمر والسراج فيقع على الأرض فيستنير به، والذي هو من صفاء اللون مثل نور اللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر، وكلّ شيء له نور صاف، والذي هو من جهة المدح قول الناس: فلان نور البلد وشمس العصر، قال الشاعر:
فإنّك شمس والملوك كواكب   إذا ما بدت لم يبد منهنّ كوكب
وقال آخر:
قمر القبائل خالد بن يزيد   
وقال آخر:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة   فقد سار منها نورها وجمالها
ويجوز أن يقال: الله سبحانه نور من جهة المدح؛ لأنه واجد الأشياء ونور جميع الأشياء منه دون سائر الأوجه؛ لأنّ النور المحسوس الذي هو ضدّ الظلمة لا يخلو من شعاع وارتفاع وسطوع ولموع وهذه كلّها منفيّة عن الله سبحانه لأنها من أمارات الحدث.

قالوا: ولا يجوز أن يقال: لله يا نور إلاّ أن يضمّ إليه شيء كما لا يجوز أن يقال: يا بديع إلاّ أن يضمّ إليه شيء كما قال الله سبحانهبَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [البقرة: 117] { نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.

وقرأ علي بن أبي طالب: الله نور السموات والأرض على الفعل.

{ مَثَلُ نُورِهِ } اختلفوا في هذه الكناية فقال بعضهم: هي عائدة الى المؤمن أي مثل نوره في قلب المؤمن حيث جعل الإيمان والقرآن في صدره.

روى الربيع عن أبي العالية عن أُبي بن كعب في هذه الآية قال: بدا بنور نفسه فذكره ثمَّ ذكر نور المؤمن فقال { مَثَلُ نُورِهِ } وهكذا كان يقرأ أُبي: مثل نور من آمن به، وقال ابن عباس والحسن وزيد بن أسلم وابنه: أراد بالنور القرآن، وقال كعب وسعيد بن جبير: هو محمد صلى الله عليه وسلم ومثله روى مقاتل عن الضحاك، أضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلاً، وروى عطيّة عن ابن عباس قال: يعني بالنور الطاعة، يسمّي طاعته نوراً ثمَّ ضرب لها مثلا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8