الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ }

{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } قراءة العامة بالرفع: هذه سورة لأنّ العرب لا تبتدئ بالنكرة، هذا قول الخليل، وقال الأخفش: سورة ابتداء وخبره في أنزلناها، وقرأ طلحة بن مصرف: سورةً بالنصب على معنى أنزلنا سورة، والكناية صلة زائدة، وقيل: اتّبعوا سورة أنزلناها { وَفَرَضْنَاهَا } أي أوجبنا ما فيها من الأحكام، وقرأ الحسن ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو: وفرّضناها بالتشديد أي فصّلناها وبيّنّاها، وقيل: هو من الفرض والتشديد على التكثير أي جعلناها فرائض مختلفة، وأوجبناها عليكم وعلى من بعدكم إلى قيام الساعة، وتصديق التخفيف قوله سبحانهإِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } [القصص: 85].

{ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (*) ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } إذا كانا حُرّين بالغين بكرين غير محصنين { فَٱجْلِدُواْ } فاضربوا { كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } رحمة ورقّة.

قال الأخفش: رحمة في توجّع وفيها ثلاث لغات: رأفة ساكنة الهمز وقد تخفف الهمزة، وهي قراءة العامة، ورأَفة بفتح الهمزة، ورآفة مهموزة ممدودة مثل الكتابة، وهما قراءة أهل مكة مثل الشناة والشنآة، وقيل: القصر على الاسم والمدّ بمعنى المصدر مثل صؤل صآلةً، وقبح قباحة، ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لأنّ العرب لا تجمع بين أكثر من ثلاث فتحات.

واختلف العلماء في معنى الآية فقال قوم: ولا تأخذكم بهما رأفة فتعطلّوا الحدود ولا تقيموها.

روى المعمّر عن عمران قال: قلت لأبي مخلد في هذه الآية: واللّه إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل أو تقطع يده فقال: إنّما ذاك أنّه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم عليهم الحدّ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي وابن زيد وسليمان بن يسار، يدلّ عليه من الآية أنّ اللّه سبحانه وتعالى أمر بالجلد، وهو ضرب الجلد كالرأس لضرب الرأس فذكر الضرب بلفظ الجلد لئلاّ ينكأ ولا يبرح ولا تبلغ به اللحم.

وروى ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر جلد جارية له فقال للجالد: اجلد ظهرها ورجليها وأسفلها وخفّفها، قلت: فأين قول الله سبحانه { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ }؟

قال: أفأقتلها؟ إنَّ الله أمرني أن أضربها وأؤدّبها ولم يأمرني أن أقتلها.

وقال الآخرون: بل معناها ولا يأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضرباً، وهو قول سعيد بن المسيّب والحسن.

قال الزهري: يجتهد في حدّ الزنا والفرية ويخفّف في حدّ الشراب.

وقال قتادة: يخفّف في حدّ الشراب والفرية ويجتهد في الزنا.

وقال حمّاد: يُحدّ القاذف والشارب وعليهما ثيابهما، وأمّا الزاني فيخلع ثيابه، وتلا هذه الآية.

{ فِي دِينِ ٱللَّهِ } أي في حكم الله نظيره قوله سبحانه

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7