" { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } أهو الذي يزني ويشرب الخمر وهو على ذلك يخاف الله؟ قال: " لا يا ابنة الصدّيق ولكن هو الذي يصوم ويصلي ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله سبحانه ". وأخبرنا عبد الله بن يوسف قال: حدَّثنا محمد بن حامد قال: حدَّثنا محمد بن الجهم قال: حدَّثنا عبد الله بن عمرو قال: أخبرنا وكيع عن ملك بن مغول عن عبد الرَّحْمن بن سعيد بن وهب " عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال: " لا يا ابنة أبي بكر أو يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلّي ويتصدق ويخاف أن لا تقبل منه ". { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا } يعني إليها { سَابِقُونَ } كقوله (لما نُهوا عنه) و(لما قالوا) ونحوهما، وكان ابن عباس يقول في معنى هذه الآية: سبقت لهم من الله السعادة ولذلك سارعوا في الخيرات. { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } يعني إلاّ ما يسعها ويصلح لها من العبادة والشريعة: { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ } يعني اللوح المحفوظ { يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } يبيّن بالصدق ما عملوا وما هم عاملون من الخير والشر، وقيل: هو كتاب أعمال العباد الذي تكتبه الحفظة وهو أليق بظاهر الآية. { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني يوفّون جزاء أعمالهم ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم. ثمَّ ذكر الكفار فقال عزَّ من قائل { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ } عمى وغفلة { مِّنْ هَـٰذَا } القرآن { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } خبيثة لا يرضاها الله من المعاصي والخطايا { مِّن دُونِ ذٰلِكَ } يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله سبحانه، قيل: وهي قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ }. { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } لابد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة. { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ } يعني اغنياءهم ورؤساءهم { بِٱلْعَذَابِ } قال ابن عباس: بالسيوف يوم بدر، وقال الضحّاك: يعني الجوع وذلك " حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف، فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة والقدّ والأولاد ". { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } يضجّون ويجزعون ويستغيثون، وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرّع كما يفعل الثور، قال الشاعر:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة
وكان النكير أن تضيف وتجأرا
يصف بقره. وقال أيضاً:
يراوح من صلوات المليك
فطوراً سجوداً وطوراً جؤارا
{ لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم وتضرّعكم. { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني القرآن { فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } أدباركم { تَنكِصُونَ } تدبرون وتستأخرون وترجعون القهقرى، مكذّبين بها كارهين لها { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي بالحرم تقولون: لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم، وهو كناية عن غير مذكور { سَامِراً } نصب على الحال يعني أنّهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول االبيت، ووحّد سامراً وهو بمعنى السمّار لأنّه وضع موضع الوقت، أراد: تهجرون ليلاً، كقول الشاعر: