الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } * { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } * { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ }

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } يعني ابن آدم { مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } أي من صفوة ماء آدم الذي هو من الطين ومنيّه والعرب تسمّي نطفة الشيء وولده سليله وسلالته لأنّهما مسلولان منه. قال الشاعر:
حملت به عَضب الأديم غضنفراً   سلالة فرج كان غير حصين
وقال آخر:
وهل كنت إلاّ مهرة عربية   سليلة أفراس تجلّلها بغل
{ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } حريز مكين لاستقرارها فيه إلى بلوغ أمدها وهو الرحم.

{ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً } قرأ ابن عامر عظماً على الواحد في الحرفين، ومثله روى أبو بكر عن عاصم لقوله لحماً، وقرأ الآخرون بالجمع لأنّ إلانسان ذو عظام كثيرة.

{ فَكَسَوْنَا } فألبسنا { ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } اختلف المفسرون فيه. قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وعكرمة وأبو العالية والضحاك وابن زيد: نفخ الروح فيه.

قتادة: نبات الأسنان والشعر.

ابن عمر: استواء الشباب، وهي رواية ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد.

وروى العوفي عن ابن عباس: إنّ ذلك تصريف أُحواله بعد الولادة، يقول: خرج من بطن أُمّه بعد ما خلق فكان من بدو خلقه الآخر أن استهلّ، ثمَّ كان من خلقه أن دُلّ على ثدي أُمّة، ثمّ كان من خلقه أن عُلّم كيف يبسط رجليه، إلى أن قعد، إلى أن حبا، إلى أن قام على رجليه، إلى أن مشى، إلى أن فطم، فعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام، إلى أن بلغ الحلمَ، إلى أن بلغ ان يتقلّب في البلاد.

وقيل: الذكورة والأُنوثية، وقيل: إعطاء العقل والفهم.

{ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ } أي استحق التعظيم والثناء بأنّه لم يزل ولا يزال وأصله من البروك وهو الثبوت.

{ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } أي المصوّرين والمقدّرين، مجاهد: يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين.

ابن جريج: إنما جمع الخالقين لأنّ عيسى كان يخلق، فأخبر جلَّ ثناؤه أنّه يخلقُ أحسن ممّا كان يخلق.

وروى أبو الخليل عن أبي قتادة قال: لمّا نزلت هذه الآية إلى آخرها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " فتبارك الله أحسن الخالقين " فنزلت { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }.

قال ابن عباس: كان ابن أبي سرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأملى عليه هذه الآية، فلمّا بلغ قوله { خَلْقاً آخَرَ } خطر بباله { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } فلمّا أملاها كذلك لرسول الله قال عبد الله: إن كان محمد نبيّاً يوحى إليه فانا نبىّ يوحى إليّ، فلحق بمكة كافراً.

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } قرأ أشهب العقيلي لمايتون بالألف، والميّت والمائت، الذي لم يفارقه الروح بعد وهو سيموت، والميْت بالتخفيف: الذي فارقه الروح، فلذلك لم تخفف ههنا كقوله سبحانه وتعالىإِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ }

السابقالتالي
2 3