{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } نزلت في النضر بن الحرث، كان كثير الجدال فكان يقول: الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، ويزعم أنّ الله غير قادر على إحياء من قد بلي وعاد تراباً. قال الله سبحانه { وَيَتَّبِعُ } في قيله ذلك وجداله في الله بغير علم { كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ } قضي عليه، على الشيطان { أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ } اتّبعه { فَأَنَّهُ } يعني الشيطان { يُضِلُّهُ } يعني يضلّ من تولاه { وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } وتأويل الآية: قضي على الشيطان أنّه يضلّ أتباعه ويدعوهم إلى النار. ثمّ ألزم الحجّة منكري البعث فقال عزَّ من قائل { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ } يعني أباكم آدم الذي هو أصل النسل ووالد البشر { مِّن تُرَابٍ } ثم ذرّيته { مِن نُّطْفَةٍ } وهو المنيّ وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } وهي الدم العبيط الجامد وجمعها علق { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } وهي لحمة قليلة قدر ما تمضغ { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ }. قال ابن عباس وقتادة: تامّة الخلق وغير تامة. وقال مجاهد: مصوّرة وغير مصوّرة يعني السقط. قال عبد الله بن مسعود: إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله عزّ وجلّ مَلَكاً فقال: يا رب مخلّقة أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلّقة مجّتها الأرحام دماً وإن قال: مخلّقة قال: يا ربّ فما صفة هذه النطفة؟ أذكر أم أُنثى؟ ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟ فيقال له: انطلق إلى أُمّ الكتاب فاستنسخ منه صفة هذه النطفة، فينطلق الملك فينسخها فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها. { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريفنا أطوار خلقكم. { وَنُقِرُّ } روي عن عاصم بفتح الراء على النسق، غيره: بالرفع على معنى ونحن نقرُ (في الأرحام) { مَا نَشَآءُ } فلا تمجّه ولا تسقطه { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وقت خروجها من الرحم تامّ الخلق والمدّة { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ } من بطون أُمهاتكم { طِفْلاً } صغاراً ولم يقل أطفالاً لأنّ العرب تسمّي الجمع باسم الواحد. قال الشاعر: إنّ العواذل ليس لي بأمير ولم يقل أُمَراء. وقال ابن جريج: تشبيهاً باسم المصدر مثل: عدل وزور، وقيل: تشبيهاً بالخصم والضيف. { ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ } كمال عقولكم ونهاية قواكم. { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } قبل بلوغ الأشدّ { وَمِنكُمْ مَّن } يعمّر حتى { يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } وهو الهرم والخرف { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً }. ثمَّ بيَّن دلالة أُخرى للبعث فقال تعالى { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } يابسة دارسة الأثر من الزرع والنبات كهمود النار. { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ } المطر { ٱهْتَزَّتْ } تحرّكت بالنبات { وَرَبَتْ } أي زادت وأضعفت النبات بمجيء الغيث، وقرأ أبو جعفر: ربأت بالهمز، ومثله في حم السجدة أي ارتفعت وعلت وانتفخت، من قول العرب: ربا الرجل إذا صعد مكاناً مشرفاً، ومنه قيل للطليعة رئبة.